آمال أوباما المعلقة على إيران.. وفرصها الضعيفة

TT

كشف باراك أوباما قبل عامين تقريبا، عن أمله في إقامة حوار مع طهران. ومنذ ذلك الحين، قدمت دائرة المعجبين به هذا الأمل على أنه فكرة جديدة لها تأثيراتها على المستقبل، وأنها مثل العصا السحرية، بمجرد التلويح بها سيتحول النظام الخميني من ذئب إلى حمل.

ومن ناحية أخرى، وتحديدا يوم الاثنين الماضي، قرر هاشمي رافسنجاني، الرئيس الأسبق للجمهورية الإسلامية، وأحد اللاعبين الرئيسين في اللعبة السياسية المعقدة بطهران، كشف الحقائق. ولدى إلقائه خطبة أمام جمع في طهران بمناسبة حلول عيد الأضحى، ذكّر رافسنجاني العالم بـ«تاريخ الجهود الأميركية على مدار ثلاثين عاما للحديث معنا». وموجها خطابه إلى أوباما، قال: «لقد أردتم دوما على مدار ثلاثين عاما الحديث معنا، وخلالها رفضنا الحديث معكم. فكيف تتوقعون أن نتحدث إليكم الآن وأنتم تضعون شروطا مسبقة أصعب؟». وذكّر رافسنجاني بالمحادثات التي استهلها الرئيس جيمي كارتر، أملاً منه في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في طهران. حينها رفض رجال الدين في إيران منح كارتر أكثر الأشياء التي كان يطمح فيها: ألا وهو إطلاق سراح الرهائن في هذا التوقيت المناسب لضمان إعادة انتخابه.

بعد ذلك، أشار رافسنجاني إلى البعثة السرية، التي قادها روبرت ماك فارلان، المبعوث الخاص للرئيس رونالد ريغان إلى طهران عام 1985، وكانت تسعى وقتها إلى إطلاق سراح الرهائن الأميركيين الذين يحتجزهم تابعون لحزب الله ـ الموالي لإيران ـ في بيروت. وتساءل رافسنجاني، «هل نسيتم قدوم ماك فارلان إلى طهران بجواز سفر آيرلندي؟ وهل نسيتم أن الإمام (آية الله الخميني) أمرنا بعدم الحديث معه، وإعادته مرة أخرى؟». وأخفقت مهمة ماك فارلان، رغم أنه أحضر معه هدايا كان الهدف منها إظهار نوايا واشنطن الحسنة. وتضمنت هذه الهدايا المئات من الصواريخ المضادة للدبابات، التي ساعدت طهران بعد مرور بضعة شهور في إرسال قواتها إلى الأراضي العراقية. كما أحضر ماك فارلان معه أيضا كعكة على شكل مفتاح، ونسخة من الإنجيل وقعها ريغان بنفسه، ومسدسا من طراز كولت لرافسنجاني.

ولم تنته الجهود الأميركية للحديث مع ملالي طهران عند هذا الحد، إذ خرج الرئيس جورج بوش الأب عن مساره في محاولة جذب وحث الملالي على المفاوضات، وقضى برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الخاص به، وقتا، وبذل جهدا مضنيا في محاولة منه لبناء جسر يصل إلى لا مكان.

إلا أن ملالي طهران كانوا ينظرون إلى هذه الأمور على أنها إماءة بالضعف الأميركي، وأمروا بأسر المزيد من الرهائن، فضلاً عن تكثيف حملة الإرهاب، خاصة ضد حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة.

واتجه الرئيس بيل كلينتون إلى مرحلة أبعد من ذلك، إذ وجه الاعتذار إلى الملالي على الأخطاء غير المحددة التي من المفترض أن الولايات المتحدة ارتكبتها حيال إيران. ورفع بعض العقوبات التي فرضها كارتر، وريغان، وبوش، وتجاهل تقارير مكتب المباحث الفيدرالية التي توثق تورط طهران في هجمات ضد الأهداف الأميركية بالمنطقة.

وقدّم كلينتون خطته تحت مسمى «المقايضة الكبرى»، وفيها قدّم للملالي ما يمكن أن يساوي صورة مصغرة لاتفاقية يالطة، التي بموجبها ستحكم سيطرتها، وتحافظ على نطاق نفوذها في المنطقة، مقابل الاعتراف بنطاق آخر مماثل للولايات المتحدة. وكان من المفترض لهذا البرنامج ككل أن يتم الإعلان عنه في عام 2000، مع لقاء عرضي ومصافحة باليد بين الرئيس كلينتون ومحمد خاتمي، الملا الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية الإسلامية في هذا الوقت، في أروقة الأمم المتحدة بنيويورك. إلا أنه مع حلول اليوم المتفق عليه، ترك الملالي كلينتون منتظرا في مبنى الأمم المتحدة، يتجول في أروقة المبنى لـ20 دقيقة، قبل أن يخبروه أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي رفض إتمام اللقاء «العرضي» في اللحظة الأخيرة. بهذا نرى أن الملا ـ متوسط المكانة من مدينة يزد الصحراوية ـ أخلف ميعادا للقاء رئيس «القوة العظمى الوحيدة» في العالم.

ثم أتى الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وكان الوحيد بين الرؤساء الأميركيين الذي قرر منذ البداية عدم الحوار مع ملالي إيران. نعم، أدرجت إدارته إيران في المباحثات الدولية المتعلقة بعدد من القضايا، بداية من إنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان، وإقرار الأوضاع في ما وراء منطقة القوقاز، وصولا إلى إسقاط النظام الطالباني في أفغانستان، ووضع نهاية لنظام صدام حسين في العراق. ومع ذلك، أخرج الرئيس جورج بوش الابن من الحسبان تماما إجراء أي مباحثات ثنائية مع النظام الإيراني، لأنه تعلم درسا بالغ الأهمية من إخفاقات أسلافه. فقد علم جيدا أن ملالي إيران أحبطوا آمال الإدارات الأميركية المتعاقبة باحتمالية إجراء الحوارات فقط، للتأكد من أنهم لن يواجهوا أي تحركات أميركية تجاه نظامهم. وبمجرد تأكدهم من ذلك، لا يكون لديهم أدنى اهتمام آخر إزاء المباحثات.

ومع ذلك، كان من المحتمل أن ينتهي الحال بجورج بوش الابن بأن يخضع إلى إغراء احتمالية التعامل مع ملالي النظام الإيراني. وفي مايو (أيار) 2006، فاجأت كوندوليزا رايس، وزيرة خارجيته الجديدة آنذاك، العالم بعرضها إجراء مباحثات مباشرة غير مشروطة مع ملالي النظام الطهراني، إلا أن طهران تجاهلت هذا التحرك الأميركي. وستغادر رايس منصبها من دون الحصول على رد رسمي إزاء عرضها.

وفي خطبته التي ألقاها، دعا رافسنجاني الرئيس الأميركي الجديد لقبول الجمهورية الإسلامية «كنموذج للعالم الإسلامي»، حيث قال في معرض خطبته، «تزعم أنك من القارة الأفريقية، وسليل الأميركيين السود المضطهدين، فلا تكرر أشياء قالها أناس مثل بوش».

وأوضح رافسنجاني أن لديه فهما أعمق للمشكلة من أوباما، إذ قال، «إن مشكلتكم ليست مع البرنامج النووي أو حقوق الإنسان، إن مشكلتكم الحقيقية مع الطبيعة المطلقة لنظامنا».

ولهذه الأسباب مجتمعة، من المحتمل تماما أن ترحب طهران بعرض أوباما إزاء إجراء مباحثات مباشرة في محاولة للوصول إلى تأكيدات بأن الولايات المتحدة لن تساعد من يسعون إلى تغيير نظام الحكم في طهران. ومع ذلك، فإن ثمة أمرا أكيد الحدوث، هو أنه بمجرد أن يحوز الملالي على ما يريدون، لن يكونوا مستعدين لتقديم أي تنازلات. ولدى الرئيس أوباما فرصة جيدة لأن ينتهي به الحال إلى جانب أسلافه من الرؤساء الذين خدعوا وضللوا أنفسهم بوهم إمكانية التوصل إلى صفقة عادلة مع ملالي طهران. ولنذكر أن رافسنجاني قدم تحذيرا بالفعل.