التغيير من أعلى

TT

دقوا نواقيس الخطر، ضعوا المتاريس! إن باراك أوباما، زعيم التغيير، لا يغير شيئاً.

في الوقت الذي يتخذ فيه الرئيس المنتخب إجراءات أشبه بإعادة تدوير أعضاء معسكر كلينتون بضمهم إلى حكومته ـ بل أقدم على التفكير في اختيار هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية ـ ويبدو عاقداً العزم على الإبقاء على وزير الدفاع في إدارة بوش لعام آخر على الأقل، شرع حكماؤنا التقليديون في التساؤل: أين التغيير؟

لكن ربما نبحث عن التغيير في المواقع الخطأ، بمعنى أن أوباما ربما يكون ذاته التغيير الذي وعد به، وإن كان بصورة أقل وضوحاً، لكن ذات أهمية كبيرة على المدى البعيد.

وبعيداً عن مميزاته الواضحة ـ وهي استخدامه جملا كاملة تخلو من الألفاظ التي لم يتم اكتشاف معنى لها بعد ـ فإنه يتمتع بوضع مميز يؤهله لتغيير العالم من حوله على عدة مستويات. ومثلما قال جيف غدمين، رئيس إذاعة أوروبا الحرة، أخيراً: «أوباما سلاح جذب شامل». ولا ترتبط هذه الجاذبية بمظهره فحسب، وإنما كذلك بأسلوبه. وقبل أن يسارع البعض إلى انتقادي، أؤكد أنني لا أدعو إلى الاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، لكن ذلك لا ينفي أن الأسلوب العام ينطوي على أهمية حقيقية. ولا يرتبط الأسلوب العام بالمظهر فحسب، وإنما أيضاً بأسلوب دخوله إلى معترك جديد وإدراكه السريع لكنهه.

ويرتبط الأسلوب كذلك بقدرة المرء على دفع الآخرين للقيام بما يبتغيه.

وخلال حديث أدلى به أخيرا أمام مركز الأخلاق والسياسة العامة فيما يتعلق بالدبلوماسية العامة، أوضح غدمين أن أسلوب رعاة البقر الذي انتهجه جورج بوش راق لقرابة نصف الأميركيين وحوالي 5 في المائة من سكان العالم. في المقابل، يلقى أسلوب أوباما قبولاً لدى 90 في المائة تقريباً من سكان العالم.

واتفق كل من غدمين والمتحدث الآخر خلال اللقاء، كينيث بولاك ـ خبير شؤون منطقة الخليج ومؤلف كتاب «طريق الخروج من الصحراء» ـ على أن كلا حامل الرسالة وفحوى الرسالة ذاتها يتميزان بالأهمية. وأعربا عن اعتقادهما بأن مدى نجاح الولايات المتحدة في التعبير عن مصالحها أمام باقي العالم يعتمد بصورة جزئية على الشخص الذي يضطلع بتوصيل المعلومات وأسلوب تنفيذ «صفقة البيع».

من جانبهم، يصر المحافظون دوماً، وعن حق، بأن الثقافة مهمة، الأمر الذي يتفق معه الكثير من الليبراليين، ما يتجلى في استمرار بعضهم في الزواج من ذات الشخص طوال العمر وتنشئتهم لأبنائهم على هذه القيم. ويعد أوباما وزوجته تجسيداً مثالياً للقيم الأسرية التقليدية. ولا يمكن إيجاد هذه القيم في صورة أقوى مما هي عليه لدى أوباما وزوجته، اللذين ينهلان من نبع السعادة الزوجية ويحظيان بابنتان رائعتان.

إن باستطاعة أوباما وزوجته تعزيز الأسرة الأميركية بدرجة أكبر عن أي مبادرات مؤيدة لمؤسسة الزواج. كوحدة أسرية، ليس هناك اختلاف كبير بين أسرة أوباما وأسرة بوش، لكن بمقدور الأولى أن تشكل مصدر إلهام بصورة خاصة للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية.

ورغم الأشواط الكبرى التي قطعها على بعض الأصعدة، لا يزال مجتمع الأميركيين من أصول أفريقية الأكثر تضرراً داخل المشهد الثقافي، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى سياسات خاطئة أضرت بالأسرة. على سبيل المثال، نجد أن برنامج مساعدة الأسر ذات الأطفال المُعالين تقوم على فرضية أنه لا يوجد رجل بالأسرة، ما شجع الآباء على الفرار من مسؤولياتهم الأسرية. ورغم أن هناك مجموعات ديمغرافية تتحرك بسرعة نحو اللحاق بالأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، فإن أصحاب البشرة السمراء يتسمون اليوم بأكبر معدل مواليد خارج رابطة الزواج ـ قرابة 70 في المائة.

ومن الممكن التعرف على التداعيات المترتبة على تنامي أعداد السر التي يختفي منها دور الأب بالنظر إلى معدلات الفقر والجريمة. من ناحيتها، تكشف الأرقام الصادرة عن وزارة العدل منذ منتصف عام 2005 أن 12.9 في المائة من الرجال في أواخر العشرينات من العمر من أصحاب البشرة السمراء تعرضوا للسجن، مقارنة بـ4.3 في المائة من أبناء الأصول اللاتينية و1.6 في المائة من البيض.

ولا شك أن التحيز اضطلع بدور جزئي في هذا الخلل في التوازن، لكن تبقى مسألة وجود علاقة طردية غياب الآباء وارتفاع معدلات الجرائم أمراً أكدته الدراسات الاجتماعية على مدار عقود.

إن التغيير الذي ننتظره قد لا يمكن قياسه فور حدوثه، إلا أن التحلي بالمسؤولية الشخصية والطموح التعليمي واتباع دبلوماسية عامة ذكية ـ كل ذلك من خلال العمل كقدوة وليس الوعظ ـ قد يسهم في قطع شوط كبير باتجاه علاج المشكلات الاجتماعية التي نعانيها.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص «الشرق الأوسط»