دبي لن تسقط

TT

استمعت الى آراء المتعجلين في الحكم على دبي، الإمارة التي أثارت الكثير من الإعجاب والحسد والتشكيك أصلا قبل زمن الأزمة المالية. العديد منهم يستمع الى أخبار الأضرار التي لحقت بالاقتصاد في دبي، تلك التي أعلنها مسؤولو الامارة، او التحليلات الصادرة عن دور المال او المقاهي الشعبية. وعلى ضوئها اصدر البعض حكمهم بأن دبي فقاعة فقعت، وناطحات تهاوت، وان تجربة الانفتاح غير المسبوقة عربيا قد وئدت وأهيل عليها التراب.

لا أحد يجهل أن دبي متضررة، انما لا بد من القول أيضا إن اكثر الاقتصادات نجاحا وانتعاشا في المنطقة والعالم هي الأكثر تضررا، وهذا أمر طبيعي. لكن الذي قد لا يكون واضحا للكثيرين ان الاقتصادات الخاملة متضررة مرتين، مرة عندما فوتت في الماضي القريب قطار التنمية، وثانيا صار شبه مستحيل عليها اليوم ان تبدأ تطويرها، بعد ان اصبحت المؤسسات المالية العالمية أقل حماسا للمغامرة مما كانت عليه في السابق.

والشامتون، او الجاهلون بوضع دبي، يعتقدون انها تجربة انتهت وذلك نابع عن اعتقادهم بأنها مشاريع استعراضية، وأموال فائضة. واكثر الشامتين هم البيروقراطيون الذين يعادون مبدأ السوق المفتوحة، ويرفضون العولمة، ويكرهون النظام المرن، الأقل تعقيدا. ولو صحت توقعاتهم وفشلت دبي فإن البيروقراطية، التي تعتبر بالفعل واحدة من أخطر عاهات الحكم العربي عموما، ستحتفل بأهم انتصاراتها وسيعيش العرب في قبضتها الى عقود طويلة.

لكن الذي لا يفهمه السلبيون أن دبي ستبقى لأنها ضرورة للمنطقة العربية، وحتى لدول من خارجها مثل الهند وايران. لن تسقط لانها بنت لنفسها ثوابت رابحة لا يمكن ان تنهار فقط بسبب ازمة السوق العالمية. ونجاح دبي الحقيقي ليس في مبانيها الاسمنتية، واسواقها الخرافية، بل في فكرتها، وقدرتها على ممارسة التنمية الحديثة على أرض الواقع. آلاف الشركات التي انتقلت من الغرب والشرق اليها، وتلك التي أسست على أرضها، جاءت، ليس بحثا عن ناطحات سحاب او اسواق، بل للاستفادة من سهولة العمل على أرض هذه المدينة التي وفت بمعظم وعودها لهم. بعد دبي الى اين ان يرحل هؤلاء؟ عمليا لا يوجد مكان ملائم بنفس المواصفات. محنة دبي من محنة الجميع، لأن الأزمة عالمية، وكل شركة وقطاع سيجاهد للبقاء في الفترة الحالية بما تسمح به الظروف، وهذا امر فيه دبي رابحة. فالأزمة الحالية، ايضا عاصفة تصحيحية للتضخم الذي أصاب دبي اكثر من غيرها وسبق أزمة المال العالمية. الحقيقة ان الأزمة قد تكون المنقذ بعد ارتفاع التكاليف المعيشية والعقارية التي مثلت الخطر الأكبر على تجربة دبي.

دبي ضرورة لأنها المكان الممكن الوحيد الذي يستثمر فيه الايراني العادي المحروم من الاستثمار في بلاده وخارجها. وهي وجهة اثرياء الهند الجدد الذهاب اليها بكل يسر.

وهي البلد شبه الوحيد الذي يستقبل الكفاءات العربية من دون تحديد للعمر او الجنس او الوظيفة. وشبه الوحيد الذي يمكن ان تؤسس فيه شركة بلا انتظار لأشهر، وتشتري فيه بيتا بلا تمييز. وهي المكان الوحيد للغربي الذي يستطيع ان يدير فيه اعماله تحت الشمس، ويجد مئات الرحلات الى انحاء العالم بلا قلق. ان تجد كل هؤلاء وكل هذه المزايا في مكان واحد يعد من المستحيلات في منطقتنا.

لهذا ربما تتوقف الرافعات عن العمل، او تغلق ناطحة السحاب، لكن دبي ستبقى بلد الناجحين، فهي تحتاجهم وهم يحتاجونها، والعالم العربي يحتاج الى تجارب ناجحة.

[email protected]