أشرف على الرحيل

TT

نقمة غير عادية على الحكومة الأمريكية يسمعها كل زائر ومتابع للإعلام الأمريكي، نقمة لم تعرف مثيلا لها الولايات المتحدة الأمريكية منذ فضيحة ووترغيت، التي أسقطت الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. هناك سخط شعبي كبير، واتهامات بالجملة بحق بعض المسؤولين التنفيذيين الذين تركوا الأمور تتدهور إلى الحد الذي وصلت إليه، وخصوصا في الملف الاقتصادي. موظفون يفصلون بالعشرات الواحد تلو الآخر، نسب البطالة إلى ارتفاع مخيف، الكساد يضرب كافة القطاعات بضراوة وعنف، فساد واختلاس وتبديد أموال بمئات الملايين. كل ذلك يحدث وجورج بوش يتوارى عن الأنظار، مثل الطفل الذي ارتكب خطأ ويحاول أن يداري الخجل وذلك بالاختباء بعيدا عن أعين الناس. الرجل الخطأ في المكان الخطأ، وقت الأزمات لا يأتي بالحلول ولا يقدم الدور الريادي المنتظر منه، بل إن باراك أوباما وهو لا يزال رئيسا منتخبا هو الذي يصرح ويعلق ويقترح، على الرغم من أنه «تنفيذيا» و«عمليا» لا يستطيع أن يصدر تشريعات أو سياسات حتى انتهاء ولاية جورج بوش، وهي المسألة التي تنتظر بفارغ الصبر. والشيء العجيب هو أنه وسط كل هذا الغث الذي تسببت فيه سياساته من حروب ودمار اقتصادي وتوتر عالمي، يأتي اليوم جورج بوش ليقدم نصيحة بصيغة الأمر للرئيس الزمبابوي روبرت موجابي، طالبا منه الاستقالة وترك المنصب فورا، وطبعا هناك وجهة نظر في كلام بوش، فسجل روبرت موجابي سجل أسود مليء بالمخالفات والتجاوزات بشكل سافر ومخيف، دمر بلاده وحطم شعبه وزاد طغيانه وظلمه وبلغ حدودا غير مسبوقة، ولكن أن تأتي هذه «النصيحة» من رئيس تسبب في أذى وآلام وضحايا ودمار، لن تتم معرفة قدرها لجيل قادم بأكمله، فهو أمر لا يمكن وصفه إلا بجرأة. ليس سرا أن هناك العديد من الطلبات المقدمة تطلب مساءلة وإقالة الرئيس بوش من مؤسسات مدنية مختلفة بالولايات المتحدة، وليس سرا أن هناك طلبات قدمت في الكونغرس الأمريكي نفسه تطالب بالتحقيق في مسائل مختلفة تعتبر مخالفة لروح الدستور الأمريكي نفسه، وليس سرا أن باراك أوباما أتى انتصاره كجزء من حالة الرفض لكل ما له علاقة بجورج بوش وحزبه، والرغبة القوية الجامحة بالتغيير التام. جورج بوش وإدارته التي هيمنت عليها جماعة المحافظين الجدد لا مكان لهم في العالم المسؤول، الذي يحترم الحقوق ويحرص على التواصل ويرغب في الاتحاد. لاحقوه وحاكموه أو دعوه في مزرعته يحطب الأشجار وحيدا. لا تدعوه ليخطب أو يترأس شركات أو يشارك في ندوات أو يكتب عن القيادة وتجاربه. بضاعة غير مرغوبة ولا حاجة لنا لمن يروج لها. دعوه وحيدا يذبل ويرى صنيعة يديه. أيام بقيت وينتهي الكابوس، ويعود إلى مزرعته ويبقى العالم مذهولا في تفسير كيف وصل بوش أساسا لهذا المنصب؟!

[email protected]