الحج.. والهجمة من كل فج!

TT

يمكن قبول القول إنها صدفة أن تحتل الصين والهند المركزين الأول والثاني على التوالي من حيث النمو الاقتصادي سنة واحدة، ولكن حين يتكرر هذا الترتيب لعقد من الزمان، فذاك ليس بصدفة وإنما ترجمة لنهج اقتصادي وسياسي.

أن تهيمن قطر على المرتبة الأولى بين الدول العربية لمحاربتها الفساد لسنوات متكررة حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية، فذاك ليس بصدفة، وإنما نتيجة لسياسة قطرية تحارب الفساد. ثبات الترتيب الدانمركي ضمن المواقع الثلاثة الأولى على مستوى العالم حسب نفس التقرير سنة تلو أخرى يعكس نهجا دانمركيا بمحاربة الفساد ندر في عالمنا العربي والإسلامي.

قد يكون مقبولا عام 1999 أن تقول بأن فوز فريق مانشستر يونايتد الانجليزي ببطولة الدوري والكأس الانجليزيين وكأس الأندية الأوروبية هو محض صدفة، ولكن استمرار هيمنة نفس النادي بنفس المدرب على الدوري والبطولات المحلية (بانجلترا) والأوروبية والعالمية، يجعل الحديث عن الصدفة محض هراء.

أن يتكرر النجاح السعودي سنوات متتالية في تنظيم أكبر حشد ديني في مكة المكرمة لشعائر الحج، فذاك مفخرة ونهج سعودي لا بد أن كل إنسان ـ وبالذات المسلم ـ يقف له احتراما وتقديرا. يتكرر النجاح السعودي بتنظيم هذه الشعيرة الدينية التي تجمع الملايين من البشر في مساحة محددة لا تتجاوز عدد كيلومتراتها أصابع اليد الواحدة. ملايين من البشر من مختلف الأعراق واللغات والقوميات والمذاهب والألوان والخلفيات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية المتباينة تباينا شديدا، يؤدون فريضة دينية بكل سلالة وسهولة ويسر، إذن أصبح هذا النجاح نهجا وليس صدفة أو «خبطة حظ». كثيرون لا يدركون أن أعدادا أكبر من أعداد الحجاج يتوافدون على مكة طيلة شهر رمضان من كل عام، ويبلغ عددهم ذورته في العشر الأواخر من الشهر.

كان الحج في الماضي مغامرة محفوفة بالمخاطر من قطاع الطرق والحوادث والأوبئة التي تنتشر بين الحجاج، لكنه أصبح مظاهرة تعكس نهجا سعوديا بتحمل المسؤولية تجاه المسلمين في كل مكان في العالم.

يتزامن هذا النجاح السعودي مع هجمة إعلامية شرسة من اتجاهات مختلفة ضد المملكة العربية السعودية: فالسعودية هي التي تحاصر غزة وهي التي اغتالت الحريري وهي التي أسقطت صدام.. إلخ، من عناصر غير مترابطة، ومن قوى غير متجانسة لا رابط بينها سوى الاتفاق بالهجوم على المملكة العربية السعودية.

تبقى المملكة العربية السعودية أكبر وأقدم وحدة قومية تحققت في القرن الماضي على أهم بقاع الأرض وأقدسها بالنسبة للمسلمين جميعا، وهذه حقيقة يتعامى عنها القومجيون، ويغتاظ منها دعاة الإسلام السياسي. وهي دولة ذات ثقل روحي واقتصادي كبيرين، سخرت مراحل من تاريخها لنصرة الحق العربي والإسلامي.

قدر المملكة العربية السعودية أن تكون الدولة المحورية التي قدمت للعرب والمسلمين ما لا ينكره صاحب عرفان، وقامت بجهود لم تتوقف لرأب التصدعات والشروخ في العلاقات العربية والإسلامية: أتت بالأفغان وتعاهدوا تحت الحرم ثم تقاتلوا، وجاءت بحماس وفتح ليتعاهدوا في مكة ثم يتفرقوا في غزة، وجاءت بالعراقيين ليتفقوا في مكة وليتشتتوا في بغداد، جمعت اللبنانيون باتفاق الطائف ليصمد حينا ويتعثر أحيانا حسب الاتجاهات ومصالح قوى لا علاقة لها بلبنان.

ومع هذا تستمر الهجمة على السعودية والتي لا يمكن فهمها خارج إطار النجاحات المتكررة، وآخرها في موسم الحج الأسبوع الماضي.

من يقل بأن المملكة العربية السعودية هي المدينة الفاضلة فهو منافق، ومن يحملها أوزار هذه الأمة فهو كاذب، ومن أنكر دورها فهو جاحد، ومن لا ينتقدها فهو عدوها، وعلى الرغم من كل ما قدمته وتقدمه المملكة فإن المؤمل منها أكثر مما تقدمه بكثير ذلك أن «الأمة ترتجي أقصى جهودكمو.. إن الكريم مع الأجواد يجتهد».