الغرور الديني

TT

اعتبرت حركة حماس تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضدها «كفرا» و«نطقا بالحرام» واعتداء على البيت الحرام والشهر الحرام، بل وطالبته بالتوبة وطلب الغفران عن تلك التصريحات ضد الحركة.

غرور ديني وابتزاز سياسي لا مثيل له، حين تختزل حماس الدين كله، بحرامه وحلاله، لنفسها، فلا يكفي قلب الحقائق وتشويهها، ولا تكفي محاولة الحركة السابقة والمصورة، وهي تخطط لاغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل غزوة غزة، بل تتلحف بعباءة الدين، وترهب خصومها من باب أن المساس بها مساس بالدين الإسلامي.

فرفاق خالد مشعل جعلوا من أنفسهم جزءا من الدين، ومنحوا أنفسهم مكانة وهالة دينية، من أجل ترهيب الآخرين، فأصبح التصريح ضدهم، أو انتقاد أفعالهم، مساسا بالدين الحنيف، وتطاولا يستوجب التوبة والاستغفار!

وحماس الإخوانية، التي ترى أن الإسلام هو الحل، تحولت إلى أن تكون هي الإسلام، وأي سهام نقد توجه لها تعتبر نقدا للدين، ومساسا يستوجب الاستغفار، فأي استهتار أكثر من هذا الاستهتار حين تسير حماس على خطى أصحاب الهالة والنصر الإلهي؟

من يرى في نفسه قدسية فمن باب أولى أن يترفع عن المتاجرة بمعاناة الناس في غزة، ويكفر عن خطيئة قتل الفلسطينيين يوم الانقلاب في غزة، وقذف الناس من سطوح المباني، ولا ينكث بوعد قطعه تحت البيت العتيق، ولا يضيع قضية حق بهدنة ساذجة.

ومن يرى في نفسه قدسية يجب ألا يمانع في العمل على فتح معابر أخرى لرفع المعاناة عن أهل غزة، خصوصا أن الرئيس الفلسطيني يقول إن بالإمكان فتح معابر أخرى، وهي معابر كرم وأبو سالم وكارني وصوفر وايريز، وبذلك يطيل الممانعون معاناة أهل غزة بالإصرار على فتح معبر رفح أو لا معبر آخر، وكل ذلك من أجل إحراج مصر وتسجيل نقاط سياسية تخدم أطرافا خارجية تتاجر بالقضية الفلسطينية، والدليل أن تلك الأطراف لم تمانع مهادنة حماس لإسرائيل، وهي هدنة تضيع كل مكتسب بسيط تحقق للفلسطينيين.

كما أن من يرى في نفسه قدسية أو فهما للدين، لا يمنع حجاج غزة من أداء مناسك الحج، بل كان واجبا على حماس أن تفعل كل ما بوسعها لكي لا تسجل على نفسها سابقة منع حجاج أهل غزة.

والأمر لا ينتهي هنا في انكشاف حماس، وانكشاف فكرها العبثي؛ فالحركة الإخوانية عندما تتحدث عن الحج والحجيج في خطابها الرسمي فهي لا تقول المملكة العربية السعودية، أو المشاعر المقدسة، بل تقول الديار الحجازية. وهذه لغة تعودناها من قيادات تنظيم القاعدة منذ عام 1997، وتحديدا يوم كان يبث أشرطته المسمومة التي لا يشير فيها إلى الدولة السعودية، بل يتحدث عن الجزيرة العربية، وذلك تجنبا لذكر الدولة السعودية. وهو الأمر نفسه الذي فعله صدام حسين يوم احتل الكويت وانتهت صواريخه إلى الرياض وغيرها من المدن السعودية. تصريحات حماس سقطة جديدة، لكن للأسف كل سقطة لحماس تعني أن الانقسام الفلسطيني ليله طويل!

[email protected]