«حكاوي القهاوي»!

TT

المقهى أشبه بصندوق الدنيا مملوء بالناس والحكايات والأشياء، حتى أن الأديب البرازيلي الكبير باولو كويلو ـ عاشق الترحال ـ يؤثر الجلوس في المقاهي والاستماع إلى تعليقات الناس ومشاهدة طرائق حياتهم، بدلا من الذهاب إلى المتاحف، ومثله الأديب الفرنسي بلزاك، وكان نجيب محفوظ ينظر إلى المقهى باعتباره نافذة على الحياة، ويشاركه تلك النظرة الكثير من أدباء فرنسا وفلاسفتها أمثال: سارتر، وسيمون، وفروبيل، وزولا، وديديه، وغيرهم، ويقال إن الكثير من الإبداعات الأدبية الخالدة كتبت أو ولدت في المقاهي وسط الضجيج، واشتهرت بعض المقاهي من خلال روادها من الأدباء، ويندر أن تزور مدينة لا تجد فيها للأدباء مقهى أو أكثر، في ما يمكن أن يطلق عليه ظاهرة مقاهي الأدباء..

وتاريخ المقاهي في بعض المدن السعودية غائر في القدم، وكانت أشبه بالنادي الأدبي للأديب، والمسرح للفنان، والمقر المهني للحرفي، وكان لجيل الرواد من الأدباء مقاهيهم في مدن كمكة المكرمة وجدة، ولفتت ظاهرة المقاهي تلك أنظار الرحالة والمؤرخين فأكثروا الحديث عنها.. وفي غفلة من الزمن تغيرت الرؤية إلى المقاهي، واعتبرها البعض أماكن لا تليق بسمعة بعض مرتاديها، حتى غدت عبارة «جليس قهاوي» سبة لمن تطلق عليه، وتلقفت بلديات المدن تلك النظرة المضطربة، وأعلنت الحرب على المقاهي، ولم يبق من نسلها في داخل المدن سوى عدد محدود جدا، أشبه بمسخ لصورة المقهى التاريخي..

وباعتباري «جليس قهاوي» محترفا لم تشغله قط تلك النظرة السلبية، فقد قادتني خطاي قبل أسابيع إلى مقهى فريد في جدة، أطلق عليه مقهى الكتاب، والمقهى عبارة عن مزاوجة بين المكتبة والمقهى، صاحبه عاشق كتب، ولربما هو عاشق مقاه أيضا، فمقهاه يمتلئ بآلاف الكتب، وبإمكانك أن تقرأ ما تريد أثناء تناولك القهوة أو الشاي، وبمقدورك أيضا أن تشتري الكتاب إذا راق لك ووجدت منه نسخة إضافية في المكتبة، فصاحب المقهى لا يفرط في الكتاب الوحيد..

لو قدر لهذا المقهى أن يستمر، وأن تستوعب الأمانة فكرة هذا النوع الفريد والرائع من المقاهي، فستشهد مدينة جدة ولادة أول مقهى للأدباء ـ بمفهوم عصري ـ يمكن أن يتسع مع الزمن ويكبر ليصبح علامة من علامات المدينة وتاريخها الثقافي.

[email protected]