الجمعيات الخيرية.. مرة أخرى

TT

أعادت الأحداث الإرهابية في مومباي بالهند الجمعيات الخيرية إلى قلب الأخبار مرة أخرى، وذلك بعد توجيه الاتهام إلى الحركة الإسلامية الباكستانية «عسكر طيبة»، وتضييق السلطات الباكستانية الخناق على أكبر جمعية خيرية في إسلام أباد وهي «جماعة الدعوة».

و«جماعة الدعوة» تعد أكبر جمعية خيرية في باكستان وعرفت بمساعدة ضحايا الزلازل هناك، إلا أنها تتهم اليوم بارتباط بعض منفذي تفجيرات مومباي بها، خصوصا أن الجمعية تعتبر الجناح السياسي لعسكر طيبة.

المهم هنا هو أننا أمام اتهامات حول سوء استغلال جديد للعمل الخيري، وتسخيره لدعم الإرهاب وتمويله، وهذا أمر لاحظناه في جل دولنا العربية، وصدرت بيانات رسمية من الداخلية السعودية تحذر تجاه بعض ما يسمى بالعمل الخيري. والأمر نفسه في الكويت، ومصر واليمن، ورأينا الصراع الذي نشب في لبنان حول أموال المساعدات، وتحولها إلى ورقة سياسية، مثلما نرى اليوم كيف تحول العمل الخيري في العراق إلى غطاء للنفوذ الإيراني، وسوء استغلال حماس للأعمال الخيرية.

والمؤسف أن سوء استغلال أموال الجمعيات، والإساءة لمفهوم العمل الخيري مستمر، حيث تطالعنا الأخبار من وقت لآخر بفضائح جديدة. وبالطبع لدى الغرب مشاكله مع سوء استغلال العمل الخيري، لكنه يصحح، وبشفافية عالية أوضاعه وما تزال الجهود مستمرة.

ولأنني من المؤمنين بأهمية العمل التطوعي والخيري، فإنني أرى أنه لا بد من إيجاد آلية تخرج العمل الخيري من سوء الاستغلال، في الإرهاب، أو الاختلاس، أو حتى استغلاله من أجل النفوذ السياسي. وأولى الخطوات المطلوبة أن يكون العمل الخيري داخليا وغير معني بالخارج، بمعنى أن لا تخرج الأموال من خلال المؤسسات الخيرية، ولا تقبل من الخارج إطلاقا، في أي دولة عربية. ولا بد من وضع معايير وأنظمة واضحة لطبيعة تلك المؤسسات، ومناطق عملها، وأن لا تكون أعمالا ذات صبغة دعوية، بل يجب أن تكون شاملة لما فيه مصالح الناس الدنيوية، من إغاثة المنكوبين إلى التعليم ومجابهة الفقر، وحتى دعم المشاريع الصغيرة.

وفي ما يختص بالتبرعات الخارجية، فيجب أن توكل إلى الدولة وأجهزتها، ولا تترك لأفراد، أو جماعات، أو مكاتب خارجية، وذلك لتجنب خوضها في العمل السياسي الخارجي، والتدخل في شؤون الدول سياسيا أو عقائديا.

كما يجب، وهذا الأهم، أن تكون هناك رقابة مالية صارمة على عمل المؤسسات الخيرية، ولا تمنح تلك المؤسسات أو الجمعيات، أي حصانة من قبل المسؤولين في أي بلد عربي، لا من الأجهزة ولا من المؤسسات الإعلامية.

فبعد سيل من التهم والفضائح، يجب على المؤسسات الخيرية أن تعمل وفق مبدأ أنها متهمة حتى تثبت براءتها. وهذا ليس ظلما أو تعسفا بحق العمل الخيري، بقدر ما أنها دعوة لإعادة الاعتبار للعمل الخيري نفسه وللعاملين عليه.

أهمية كل ذلك هو ضمان استمرار العمل الخيري، وضرورة أن يشعر به المواطن في وطنه، لأنه الأولى، ويجب أن لا يكون وفق منظور ضيق، بل يجب أن يشمل جميع مناشط الحياة المؤثرة، مع ضرورة تطوير مفهوم العمل التطوعي ليكون رافدا مهما للعمل الخيري.

[email protected]