احترس من الخوف

TT

اعتراني جزع ونفور بعد الاطلاع على رسالة وصلتني على الانترنت: رسالة مصورة تدعي ان شريحة من المجتمع في دولة آسيوية صاعدة اقتصاديا وسياسيا تقتات على لحوم الاجنة وصغار الاطفال. شعرت بالغثيان والفزع خوفا من ان تكون القيامة قامت فعلا وان العالم بأسره اوشك ان يرتد اسفل سافلين. وكما جرت عادات من يرسلون تلك الرسائل يناشدك المرسل ان ترسلها لاكبر عدد من معارفك وأصحابك حتى تتمكن انت وهم من الدفاع عن حقوق الاطفال المغدورين الذين تؤكل لحومهم بالشوكة والسكين.

بلغ النفور مني مبلغا دفعني لمحو الرسالة بدلا من الانصياع لطلب مرسلها ربما لأنني اقتنعت بأن الصور قد تكون مركبة كومبيوتريا لكي تنفذ الى عقل المتلقي فتترك أثرا سلبيا عن اهل البلد المقصود بالادعاء. ادركت من دون ان اشعر بأنها رسالة تندرج تحت بند الدعاية السوداء. ولمن لا يعرف، اقول ان الدعاية السوداء وسيلة تستغل سياسيا استعدادا لشن الحروب كما حدث منذ الحروب الصليبية واستمرت الى ان تم غزو العراق بذريعة وجود اسلحة دمار شامل. تم غزو العراق وتدمير بناه التحتية وسلب اثاره وثرواته.

سمها ما شئت دعاية سوداء او شائعات، وهي كثيرة وتأتي اليك من مصادر معلومة او مجهولة. ففي اليوم نفسه وصلتني رسالة اقسمت كاتبتها بأن كل ما يرد فيها صادق وتؤكد انه في عاصمة دولة خليجية رائدة، مركز تجميل تديره وافدة داكنة البشرة تستدرج المواطنات وخصوصا الجميلات الى ما لا تحمد عقباه.

وان قاومت الزبونة هددتها السمراء بالسحر وما يمكن ان تلحقه بها من أذى، حاضرا ومستقبلا. وتختم الكاتبة رسالتها بمناشدة سلطات الامن إغلاق المراكز التي تديرها السمراوات الوافدات لأن الوافدات حاقدات وبنات البلد مستهدفات. رسالة واحدة اوحت بأن ذوات البشرة الداكنة قوادات وبأن الوافدات حاقدات ومراكز التجميل ستار للرذيلة وبنات البلد في خطر مقيم وسلطات الامن لاهية عن حماية الفضيلة والاخلاق.

محوت الرسالة بدافع من العقل. فلا كل مراكز التجميل اوكار، ولا كل فتاة جميلة مجبرة على ارتياد مراكز التجميل ولا هي مسلوبة العقل والارادة. كما ان السلطات لديها ما هو اهم في المحافظة على امن الدولة من امرأة قد تدعي القدرة على تشغيل شمهورش الجبار لحسابها في استدراج بنات الناس.

من خواص الشائعات انها تخترق ادوات العقل الدفاعية وتبطل مفعولها. وما الشائعة الا معلومة غير موثقة نتداولها من دون ان ندرك بأنها تشكل نظرتنا الى العالم. والقاسم المشترك في الشائعات هو تخويف المتلقي. فالانسان مبرمج جينيا على الانتباه لمحفزات الخوف. اهون عليك ان تنتبه اذا قال لك احدهم ان أسدا مفترسا هرب من حديقة محلية من ان تهتم اذا قال لك ان حقلا من الزهور يوجد على اطراف المدينة. وقد يظن المتلقي ان المصدر يهتم بالصالح العام، وما هو الا راغب في السيطرة على وجدان الاخر. لحظة وصول الشائعة اليك يشعر مصدرها بالقوة والاهمية. ولو صدقت ما سمعت فأنت تصدق لأن المضمون يؤكد لديك مشاعر لا واعية وغير منطوق بها تعبر عن وجهة النظر التي توحي بها الشائعة سواء كانت تختص بشخص او بقضية. المقياس هو توافق نوعية المعلومة مع هدف المروج والمتلقي.