اكتشف من تحبهم اعتذر لمن كرهتهم!

TT

حينما يلتقي اثنان فثمة حالة من ثلاث حالات تنتج عن ذلك اللقاء: ألفة، أو تنافر، أو حيادية «لا ألفة فيها ولا تنافر».. ويمكن القول إننا نحمل في دواخلنا أثناء عبورنا في شارع العمر صورا نبحث عنها في وجوه الناس، فتكون الألفة على قدر التشابه مع تلك الصور، ويكون النفور بقدر التباين أيضا، وفي هذا ما يبرر سلوكيات الإقبال أو الإدبار الأولي في علاقاتنا بالآخرين، وإلى ذلك يمكن إرجاع ما يقال عن الحب والكره من النظرة الأولى، لكن من أين جاءت هذه الصور التي نحملها في دواخلنا؟ هل هي جزء من موروث اللاشعور الجمعي الذي قال به العالم النفسي (يونج) أم أنها خبرات طفولية راسخة في عمق اللاشعور تنعكس تأثيراتها في علاقتنا بالآخرين؟ ولكرهي لليقينية المطلقة التي يمارسها بعض المشتغلين بالشأن النفسي لا أجدني امتلك إجابة قاطعة، ولكنني أتصور أن الطفل الذي تعرض لخبرات أليمة من شخص ما فإن شعورا بالجفوة قد يستحضر في كل مرة يلتقي فيها ذلك الطفل حينما يكبر مع شخصيات تحمل شيئا من ملامح ذلك الشخص الذي سبب له تلك الخبرات، والعكس أيضا مع خبراتنا السارة.

وفق هذه الرؤية النفسية حسنا لو جرب الواحد منا أن يمسك بورقة وقلم ويسجل عليها أسماء ثلاثة أشخاص تعرف عليهم قريبا وتآلف معهم منذ اللحظة الأولى، يقوم بعدها بعملية تأمل ذاتي عميق ليرى ماذا يربط بين هؤلاء الثلاثة الذين ارتاح لهم بشخصيات أخرى تمحورت حولها بعض خبراته السارة في الماضي، ويمكن تطبيق نفس الطريقة على الذين يوشك أن لا يطيق لهم حضورا.

أنا شخصيا توصلت إلى نتائج مذهلة حينما قمت بهذه العملية لأول مرة، فلقد أحسست أن ثمة خيوطا أو ملامح مشتركة جسمية ونفسية بين الذين نحبهم والعكس، وأن الذين نحبهم يوشكون أن يتشابهوا في الكثير من السمات، ولعل تلك السمات هي عوامل الجذب الأولى نحو تلك الشخصيات التي قد يصمد بعضها أو يسقط بعد تجاوز مرحلة الجذب التلقائي الأولي..

حقا إن النفس الإنسانية ـ كما يقال ـ أشبه بجبل الجليد لا نرى منه إلا الجزء الطافي على السطح.

[email protected]