فرعون مصري!

TT

كنت أجلس مع عدد من السياح الأمريكان في باخرة على النيل. الجو هادئ.. والماء أكثر هدوءا. وتمنيت ألا أجدني أتكلم في أي شيء، فالناس قد سحرهم النيل وأسكرهم التاريخ.. وكل ما يقولون شعر.. أو كالشعر.. وهم يحاولون أن يجدوا معاني بعيدة وعميقة لكل شيء.. حتى تخيلت أنهم سوف يحدثونني على أنني أخناتون أو رمسيس الثاني.. ووجدت أن كل الذي أقوله إهانة للتاريخ الفرعوني.. فأنا أتحدث بالعقل عن مصر الحديثة.. وعن مشاكل الدنيا المعاصرة. ووجدت أنه من الصعب استدراجهم إلى الحاضر فهم غارقون في الماضي البعيد. وفجأة سألني واحد منهم: ما الذي تشعر به إذا وقفت إلى جوار الأهرام.. ما هو شعورك؟!

وقلت: بالاعتزاز لأن أجدادي هم الذين حققوا هذه المعجزة.

وقال السائح الأمريكي: إنني أحسدك على هذه العظمة التاريخية. ولم أقل إنني أحسده على أنه ينتسب إلى أغنى وأقوى دولة في العالم.. وإنني أتمنى أن أبادله ما عندي بما عنده.. وليس عندي أقلام وكثير من الأحلام.. وورق أبيع منه وأشتري منذ عشرات السنين، والنتيجة أننا نعيش على حافة عريضة من الفقر والغنى.. ولكني لم أستطع أن أقاوم هذه الإهانة عندما قال لي: إنك تشبه تمثالا وجدته في المتحف المصري على اليسار وأنت داخل.. إنه تمثال لرجل عمدة.. في هذا التمثال كل مظاهر القوة والهدوء.. والظرف والرصانة.. و«الاعتلاء» بنفسه.. والهدوء كأنه شبعان.. كأنه راض عن نفسه وعن قدره تماما.. ما رأيك؟ قلت: لا شيء من كل هذه الأوصاف أراه في وجهي.. فلا رأسي مستدير ولا عيناي.. ولا عندي وجنتان ناتئتان.. ولا أنعم بهذا الهدوء.. ولا أنا مليان راض عن أي شيء.. فإذا كان مظهري يعطي هذا الانطباع فمنظري خادع تماما.. إن وجهي مثل غطاء حلة تحتها ماء يغلي.. ولكن الغطاء محكم.. والماء الذي يغلي قليل.. فأنا بركان ملفوف بجلد أبيض.. ولا أنا عمدة.. ولا أبي، ولكن عندي أقارب من العمد.. ولكن لا وجه للشبه بيني وبينهم.. وقلت له مداعبا: ما رأيك أنني قد رأيتك بالأمس وأنا أشعر أنك رمسيس الثاني قد خرج من قبره!!

فاندهش الرجل وراح ينادي زملاءه، قائلا: تعالوا اسمعوا.. إنه يقول عني رمسيس الثاني.. هل هذا صحيح؟.. أليس هذا شيئا مدهشا؟.. هل ترى ذلك؟.. أرجو أن تقول ما هو وجه الشبه، فقد سمعت هذا الرأي من قبل.. واقترب بقية السياح وانتظروا الوصف: وقرار السماء بأنهم يجلسون مع فرعون مصر.. وقد خرج من قبره عبر ثلاثين عاما.

وقلت: لأنك لم تخرج يدك من الماء. فقد كان من عادة رمسيس الثاني ألا يرفع يده من الماء.. وكان إذا جلس على العرش وضع قدمه في الماء.. ويروى عنه أنه يحسد التماسيح والأسماك لأنها تعيش في الماء..

فقال الرجل: طبعا كان يشرب من ماء النيل..

ـ طبيعي..