ما بعد العنصرية

TT

على مدار 18 شهرا، سافرت حول البلاد أجري مقابلات مع الناخبين. لم يتفوه أي منهم بهذه الكلمة. وليست كلمة استخدمها أنا أو أصدقائي، لذا ربما أكون قد سمعتها في نشرات أخبار قنوات الكيبل أو قرأتها في إحدى الصحف. والآن يرددها الجميع أكثر من ذي قبل.

ما بعد العنصرية.

تقال هذه العبارة كتهنئة أو في الأغلب كسؤال: هل أميركا أصبحت في مرحلة ما بعد العنصرية؟ ما معنى ذلك؟ هل يعني ذلك أننا قد ألقينا بمسألة العرق وراء ظهورنا، أم أن العرق مشكلة تخطيناها أو يمكننا تجاهلها الآن؟

أول مرة أذكر أنني فكرت في مفهوم «ما بعد العنصرية» كان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. فقد كنت جالسة في قاعة الاجتماعات في مدرسة ثانوية في مدينة سبنسر في ولاية أيوا، حيث كنت أتحدث ومعي مصور فيديو لسكان المدينة قبل انعقاد المؤتمر الحزبي. وبعيدا عن حارس المرشح واثنين من رجال الخدمات الخاصة، لم يكن هناك سوى باراك أوباما، وأنا من ذوي البشرة السمراء في الغرفة. كان جميع من في الغرفة متحمسين من أجل أوباما.

ولكوني مراسلة أتابع أخبار الحملة أبلغ من العمر 29 عاما فقط، كنت مبتدئة في السياسة لدرجة لم تمكنني من توقع النجاح الذي سيحققه السيناتور عن ولاية إيلينوي. ولكن بعد تجربتي في ذلك اليوم، كنت متأكدة من أن البلاد تتحرك بثبات بعيدا عن نموذج العنصرية القديم. وصدمني أنني لم ألحظ ذلك الأمر في حياتي الشخصية. كانت القاعة تمتلئ بسكان أيوا الريفيين الذين يشعرون بأنهم قد تخطوا الخلافات العنصرية. حينها تسربت إلى جسدي قشعريرة، وأحببت ذلك الشعور.

كان من الممتع رؤية الحشد المكون من أشخاص جميعهم من البيض المهووسين بأوباما، والجماهير متعددة الأعراق التي احتشدت من أجله فيما بعد واحتفلت بفوزه. ولكن أصبحت عبارة «ما بعد العنصرية» مزعجة، فهي تعني الانتقال إلى ما بعد شيء ما، ولا أريد أن أتخطى جميع ما تشير إليه هذه العبارة. من السهل استيعاب مفهوم «ما بعد العنصرية» في مدرجات ملعب رياضي أو حشد انتخابي، وعلى الأرجح سيظهر ذلك في الاحتفالات بتولي أوباما منصبه، حيث ستقف جماهير ذات خلفيات مختلفة معا ويهتفون. ولكن يصبح مفهوم هذه العبارة خارج إطار المهرجانات السياسية أكثر تعقيدا. وهو يعني فقدان الكثير مما أعتز به حول هويتي وجذوري. فهل أميركا التي لا تميز الألوان هي حقا ما كنا نجاهد من أجله؟ أليس الهدف أن نحيا منفتحين على الاختلافات، ولكن مع الاحتفال بالتراث الثقافي الفريد، والعادات الأسرية، والأديان؟

لقد طرحت هذه الأسئلة في عشرات من المدن والبلدات التي سافرت إليها بعد زيارتي لأيوا، وعدت إلى حيث أسكن في مجتمع ميريلاند الذي تسوده أغلبية سمراء. واكتشفت أن الإعجاب الذي وجدته في قاعة أيوا، مثل التجمعات الكبيرة التي زارها أوباما في أوستن وبورتلاند ودينفر وشيكاغو ومدن أخرى، عمره قصير. في الحياة اليومية، لم يتخط الأشخاص الذين أجريت مقابلات معهم في مراكز التجميل وأماكن انتظار السيارات أمام الشركات والكنائس وردهات رابطة المحاربين القدامي والضواحي وميادين البلدات الصغيرة حاجز العرق. وكان علي أن اعترف أنني أيضا لم أتخطاه.

أثناء حملة الانتخابات التمهيدية الطويلة في الحزب الديمقراطي، أعرب بعض الناخبين الذين تحدثت معهم عن قلقهم من أن العنصرية ستقيد من آمال أوباما. في كارولينا الجنوبية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007، قابلت مصففة الشعر مارغريت بيل، وهي أميركية من أصل أفريقي تبلغ من العمر 63 عاما، ومؤيدة قوية لهيلاري كلينتون. كانت متأكدة من أن أوباما سيخسر بسبب عرقه.

وعدت لرؤية بيل بعد أن فاز أوباما في ولاية أيوا، وكانت محتارة. وكانت الناخبة الديمقراطية ما زالت لا تعتقد أن رجلا أسمر البشرة قد يصبح رئيسا. يقع محل بيل في حي تشارلستون الذي تسكنه أغلبية سمراء، بعد أن فر منه السكان البيض منذ أكثر من عقد. وجميع زبائن بيل من السيدات ذوات البشرة السمراء وهن في الستينات من العمر. ويمكنها أن تقضي يوما كاملا ما بين منزلها وعملها حيث تتعامل مع أشخاص من السود فقط. ولم تكن لديها فكرة، أو أية وسيلة لتعرف، ما إذا كان الناخبون البيض سيؤيدون مرشحا أسود. وبدا أن جميع خبراتها تشير إلى أنهم لن يفعلوا.

ولكنهم فعلوا بالطبع، في الانتخابات التمهيدية في كارولينا الجنوبية، حيث فاز أوباما بنسبة 30 في المائة بتأييد بنسبة 24 في المائة من الناخبين البيض في الولاية، وكذلك في الانتخابات العامة. وكان على بيل أن تؤمن بفكرة جديدة عن العرق في أميركا، لأنها كانت مخطئة في حكمها على الناخبين البيض. وقد صرخت وبكت ليلة الانتخابات ووصفت فوز أوباما بأنه «مذهل للعقل». ولكنها الآن وكثير من الآخرين الذين حاورتهم عادوا إلى حياتهم المنعزلة عرقيا إلى حد كبير.

وفيما بين الانتخابات التمهيدية في كارولينا الجنوبية، وتلك التي عقدت في عدد كبير من الولايات في 5 فبراير (شباط)، خططت لإقامة حفل زفافي في هوستون. بالنسبة لي كانت المناسبة فرصة لجمع أهم الأشخاص في حياتي، هؤلاء الذين كان لهم أكبر تأثير عليّ منذ طفولتي وحتى شبابي.

كان جميع من في القائمة، التي تضمنت أصدقاء الطفولة ومدرسين في مرحلة ما قبل المدرسة وأصدقاء الأسرة وأخوة وأخوات من الكنيسة ورؤساء وزملاء سابقين، من ذوي البشرة السمراء، ما عدا عددا محدودا. وكانت قائمة زوجي، الذي ترجع أصوله إلى أم تايلندية وأب أميركي من أصل أفريقي، مماثلة. في تلك الكنيسة، كان 90 من بين مائة مدعو حضروا احتفالنا من أصحاب البشرة السمراء. وتصفحت الصور الموجودة في الكنسية، ووجد انقسامات عرقية مماثلة في معظم الأزواج، سواء كانوا بيضا أم سودا أم آسيويين أم لاتينيين.

وبعد زفافي، عدت إلى تغطية أخبار الحملة، أقابل الناخبين حيث كانت الحشود مجددا إما كلها من السود أو كلها من البيض. واعتدت على أن أتلقى نوعا واحدا من رد الفعل تجاه هذه الاختلافات العرقية، وهو رد فعل سلبي. وقد بدت هذه الاختلافات ضيقة للغاية أو جزءا من مشكلة أكبر. ولكن من واقع خبرتي في حفل زفافي، وما اكتشفته عن الانقسام الواضح في حياتي، أصبحت أكثر حساسية للاختلافات التي رأيتها في الناخبين.

في هاريسبيرغ في بنسلفانيا، ذهبت إلى موقع رابطة المحاربين القدامى رقم 733، وتسوده أغلبية سمراء، وعلى بعد أقل من 10 أميال يوجد موقع رابطة المحاربين رقم 420 الذي تسكنه أغلبية بيضاء. وقد عمل كثير من الرجال الموجودين في الموقعين معا في مصنع بيت لحم للصلب المغلق تقريبا، وكانوا يقفون في خط الإنتاج إلى جوار بعضهم البعض، ولكنهم يعيشون حياة مختلفة. وكان من الغريب أن نرى مدى تشابه ملابسهم، معظمهم يرتدون قبعات الجيش السوداء وقمصانا رياضية. كان معظمهم من الديمقراطيين، وفي ذلك الوقت كانوا منقسمين ما بين أوباما وكلينتون. فيما عدا لون بشرتهم، كانوا يبدون مشتركين في كل شيء. ولكن لم يجتمعوا معا في مواقعهم مطلقا.

من الخارج، ليست لدي صفات مشتركة مع أي من المجموعتين. ولكني إلى حد ما أتحيز لأسلوب حياة مشابه لحياتهم في شأن محدد، وهو مجتمعي الخاص، أكثر مما كنت أظن.

لقد نشأت في حي «آليف» في أطراف هوستون التي كانت أول مكان جذب للأميركيين من أصول أفريقية، ثم الأميركيين من أصول آسيوية، ثم المهاجرين من الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا. وفي حفل عيد ميلادي الثاني عشر في ربيع عام 1991، انتهي بي الأمر أنا وشقيقتي لأن نكون الطفلتين السمراوين الوحيدتين في المكان، لأن أصدقائي الموجودين كانوا إما بيضا أو ذوي أصول مكسيكية أو هندية أو مصرية.

بعد ذلك في غرفة الطعام في المدرسة الثانوية، وجدت نفسي ـ كما هو الحال مع معظم أبناء جيلي ـ اتجه إلى الانقسامات العرقية القديمة على «المنضدة السمراء». في ذلك الوقت، ارتديت قميصا شهيرا مكتوبا عليه: «إنه شأن السود، ولن تفهمه». وبدأ شعوري بالوعي العنصري يزداد.

كانت مدرستي الثانوية كبيرة وبها طلبة مختلفون. وشككت في التشكيل العرقي لفصولنا. كان هناك 4,000 طالب، و787 في صف ما قبل التخرج، ولكني كنت واحدة من اثنين من السود في الفصول المتميزة من أجل القبول بالجامعة. واعتقدت أن التباين العنصري يجب أن يكون مشكلة في النظام أكثر منها قضية متوطنة لدى السود.

وبالنظر إلى الخلف، أدركت أنه في فترة دراستي الثانوية، تطور لدي بلا وعي، شعور بالتعرض للخطر العنصري والدفاع عن النفس وفي بعض الأحيان الغضب. وكانت تلك المشاعر هي التي جعلتني أسعى إلى الأشخاص الذين شعرت أنهم سيفهمونني. لم أعزل نفسي عن الآخرين، ولكني انجذبت أكثر للأميركيين من أصول أفريقية، الذين يمكنهم تفهم مشاعري.

أثناء الأعوام الأربعة التي قضيتها في جامعة تكساس، كنت أكثر انفتاحا وكونت صداقات مع معارف من خلفيات كثيرة في صحيفة الطلبة، وفي الجماعات النسائية وفي مناقشات الحرم الجامعي. ولكن في نهاية اليوم، كان من النادر الاندماج في حياتي الاجتماعية. وقد انضممت إلى ناد للفتيات السمراوات واخترت قضاء معظم أوقاتي الاجتماعية مع أميركيين آخرين من أصول أفريقية.

في خطاباته، لم يعرف أوباما مطلقا نوع الوحدة، الذي يسعى إلى تحقيقها. لقد كان المحللون هم الذين وصفوا حملته بأنها تتخطى العرق، ويعلنون الآن أننا نعيش في أميركا في مرحلة ما بعد العنصرية. وبينما يشكل أوباما مجلس وزرائه، تشتعل المدونات والمنتديات بنقاشات حول ما إذا كان من المتوقع أنه سيعين فريقا متنوعا عرقيا أكثر من سابقيه. ويقول آخرون إن حملته «التي تتخطى الاختلاف العنصري» يجب ألا تخضع لمثل هذه الحصص النسبية.

كان ما قاله الرئيس المنتخب عن العرق منذ 8 أشهر في خطابه في فيلادلفيا، والذي سماه «اتحاد أكثر كمالا»، أكثر تعقيدا من أي مفهوم متعارف عليه عن الوحدة. وقد وصف البلاد بأنها في مأزق عنصري. وقال أوباما: «وإنني خلافا لما يدعيه بعض ناقديّ من سود وبيض، لم أكن ساذجا أبدا إلى حد الاعتقاد بأننا نستطيع تجاوز انقساماتنا العنصرية في دورة انتخابية واحدة».

وصرحت كاساندرا باتس، وهي واحدة من كبار مستشاري أوباما، وهي أميركية من أصل أفريقي، لجريدة وول ستريت جورنال في آخر أيام الحملة الانتخابية، أنها لا تعتبر أوباما سياسيا «يتخطى الاختلاف العرقي». وقالت: «عندما يقول الناس ذلك، يبدو أنهم يشيرون إلى أننا تجاوزنا قضية العرق، ولكن العرق لا يهم. ولا أعتقد أن هذا هو الوضع بالضرورة. ولا أعتقد أن أوباما يعتبر نفسه متجاوزا لقضية العرق بذلك الشكل. وسيخبرك أنه يعتقد أن العرق لا يهم».

وأنا أتفق مع ذلك. وبالنسبة لي، فإن الهدف ليس إنكار وجود العرق من خلال عدم تمييز اختلافات العرقية، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب عقد حوارات صحية عن الاختلافات العرقية القائمة. وهدفي ليس أن نتخطى العرق، ولكن لنتبنى تراثنا الثقافي مع رفض التقيد به.

لم أفق بعد من الحملة الملحمية التي أدت إلى فوز الرئيس المنتخب باراك أوباما، لذا من المبكر قليلا أن نفكر في كيف سيكون الطقس في أيوا في ديسمبر عام 2011، أو كيف ستبدو الجماهير حينها. من المطمئن أن نفترض أن ائتلاف أوباما سيتغير وفقا لسلطة الرئيس. وربما بحلول عام 2011، تصبح التقسيمات العنصرية أقل في البلاد.

وأرجو عندما يحين ذلك الوقت أن نجد هتاف السكان البيض في ولاية أيوا في قاعة مدرسية لمرشح رئاسي أسود أو آسيوي أو لاتيني أمرا معتادا. وأرجو أيضا أن يظل الاختلاف العرقي موضع تقدير من أجل الحفاظ على الهوية، وألا يُنسى أو يتلاشى من أجل مفهوم غامض لتخطي قضية العرق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»