دموع قادمة

TT

بيروت مدينة عرفت بأنها عاشقة للحياة ورمز لها. هكذا عرفت وهكذا كان يروج لها، ولكن حقيقة يبدو اليوم أن بيروت في حالة تقديس لا ينقطع للموت، فها هي صور الموتى بالمقاس العملاق تغطي اللوحات في الشوارع والطرقات. لم يعد في بيروت مجال لتمجيد الأحياء، باتت مدينة للموتى. واقع حزين ومؤلم ولكنه حقيقي ما بين الشهداء والقديسين تاهت بيروت وضاعت هويتها التي تميزت بها. وبيروت يحيطها «حذر مخيف» يشعر به كل من طاف بالمدينة وزارها وتمعن فيها وجالس ساكنيها. الكثير يجمع أن الانتخابات القادمة تحضر شيئا ما، نقلة كبيرة في التحالفات السياسية وتغييرا في شكلها الحالي. هذا الحديث بحد ذاته ليس مفاجئا؛ فهذا حال السياسة اللبنانية، دوام الحال فيها من المحال، كما يبدو. ولكن هناك حديثا عن «خبطات» و«صفقات» من النوع الفاخر «الغير شكل»! هناك حديث عن انقلاب جنبلاطي وتغيير في الميول والمواقف، كما لمح في آخر خطاباته وتصريحاته. ووليد بك تعود أن يفاجئ المتابعين بموقف سياسي جديد مع تغير الفصول والأعياد عالأبواب! السنة في لبنان يتحركون ما بين رجال الأعمال (سعد الحريري، محمد الصفدي، فؤاد المخزمي) على الرغم من التفاوت الكبير في ثقلهم وأحجامهم وتأثيرهم السياسي في الشارع العام، وما بين العوائل (عمر كرامي، تمام سلام، وسليم الحص) مع عدم التقليل من بروز التيار المتشدد الجديد، الذي يمثله الشيخ الشهال باسم السلفية في لبنان، وهو ظهر على الخط «استجابة» للتطرف الشيعي في لبنان. التطرف يولد تطرفا مثله كما تقول المعادلة القديمة. المسيحيون في حيرة وقلق وغير واضح حتى الآن من سيحظى بقبول وتمثيل كاف. العماد عون لا يزال يواصل فصول مسرحه السياسي، والقصة لا تزال تشهد المشاهد في تفاصيلها لأنهم بانتظار النهاية (أي نهاية سواء كانت سعيدة أو حزينة) وهناك سمير جعجع العائد برداء نيلسون مانديلا وحكمة الرهبان، ويحاول تسويق نفسه أنه المنقذ والمخلص للمسيحيين بلبنان، ولكن هناك حاجزا هائلا من انعدام الثقة بينه وبين سكان المتن وزغرتا والبقاع. وتبقى أصوات مؤثرة مثل داني شمعون وسليمان فرنجية غير معروف مدى تأثيرها النهائي على الصورة النهائية الكبرى. الشيعة راضون بدور صناع الملوك إذا لم يتمكنوا من الوصول لكرسي الحكم نفسها، ويبدو أن هذا هو المشروع النهائي (تغيير الدستور اللبناني ليعكس الواقع الديموغرافي وبالتالي تكون السلطة للأغلبية العددية). الشيعة لديهم رهان على المال والعدد، وأن الصرف الحاصل الآن من قبل مؤسساتهم كفيل بإحداث النقلة النوعية في المناطق، في ظل وجود وهجرة شيعية لمناطق لم تكن «تقليديا» ضمن الإطار الطائفي، مثل الجبل وبيروت. الدروز صغر واضمحل حجم نفوذهم، واختفت أي قدرة حقيقية لهم على التأثير، ولكن يبقى أثر الضوضاء السياسية على صانع القرار هو أبرز نتاج الحراك الدرزي. مفاجآت غير سارة ستفرزها الانتخابات اللبنانية القادمة، وحزن بيروت إلى ازدياد وخصوصا في ظل التحذير العلني من اغتيالات قادمة!

[email protected]