أمريكا وطالبان: من الطالب والمطلوب؟

TT

لسان حال طالبان في أيام عيد الأضحى الماضية يقول (ضحوا تقبل الله أضحيتكم فإنا مضحون بقافلات التموين الأمريكية)، فقد تمكنت طالبان من تنظيم مذبحة جماعية لقافلات تموين حلف الأطلسي في أفغانستان وباكستان، حتى وصلت الشاحنات المسفوك زيتها إلى حوالي 300 شاحنة ومركبة، وآخر أضاحي طالبان هجومها الأخير الجمعة الماضية على مستودع لقوات التحالف بقيادة أمريكا، وإن كان عدد الشاحنات المدمرة في هذا الهجوم، لا يزيد عن عشر شاحنات مقارنة بالعدد الكبير في هجماتها السابقة، إلا أن الحدث لا يقل أهمية، لأنه يعطي دلالة مهمة على القوة المتنامية لطالبان، إذ أن الحركة استطاعت أن تنفذ هجومها الجمعة الماضية، حتى بعد أن شددت قوات التحالف من حراسة مستودعاتها خشية من وقوع هجمات جديدة.

هذه القوة المتنامية لطالبان، جعلني استدعي في الذاكرة مقالا تهكميا حين اجتاحت أمريكا أفغانستان بسرعة فائقة، بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد شبه حكومة طالبان بزبدة رقيقة قطعتها سكين ساخنة، وذلك من فرط إعجابه بقوة أمريكا واحتقاره لقوة طالبان، وتمر الأيام لتثبت سذاجة مثل هذا الطرح، كما هي سذاجة حكومة الرئيس بوش في التعاطي مع السياسة الخارجية، فقد ظنت أمريكا أن الترسانة الرهيبة، ويدها الطويلة، التي تمتد إلى أي مكان في العالم، أنها على كل شيء قدير.

نعم كل ما يقال عن قوة أمريكا ونفوذها صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن القوة والنفوذ ليسا الضمانة الوحيدة للتغيير، فالاحتلال الأمريكي لأفغانستان وطردها لحركة طالبان من كابل، لم يكن غير قص لبعض الأوراق والأغصان الصغيرة لشجرة متينة ضاربة في عمق الأرض الأفغانية، بدليل أن سيطرة حكومة كرزاي المتهالكة لم يتعد كابل، وحتى كابل لم تعد كلها تحت السيطرة، فأنشأت أمريكا منطقة في داخل كابل أشبه بالمنطقة الخضراء في بغداد، وهذه تحت إشراف مباشر من قوات التحالف، فبذلك صارت حكومة كرزاي مريضا يعيش على التنفس الاصطناعي لقوات التحالف، ولو توقف هذا الدعم الغربي ستموت حكومة كرزاي حتما.

وها هي أمريكا في نهاية عام 2008 تستعمل كل ما في قاموس الغزل السياسي لاستمالة طالبان، التي ظنوها في عام 2001 زبدة رقيقة ساحت على السكين الأمريكية الساخنة، لإقناعها والتوسل إليها للحضور إلى طاولة المفاوضات، وذلك بعد أن اشبعنا الرئيس بوش بخطبه الرنانة التي لا تعرف لغة مع الإرهابيين غير لغة السلاح.

وتكاد الأزمة الصومالية وورطة الأمريكيين معها، أن تكون نسخة كربونية لورطتها في أفغانستان، فقوات الإسلاميين التي سحقها القط الأمريكي، مستخدما المخالب الأثيوبية، أفرزت عن حكومة كرزاي أخرى هلامية في مقديشو، وصار رئيس الصومال فيه كل صفة إلا أنه حاكم، فانفرط عقد الحكم وصار له هو الآخر منطقته الخضراء التي لا تتعدى مساحتها، مساحة أحد أحياء مقديشو، وبهذا أمست سواحل الصومال هذه الأيام، منصة لأكبر مسرحية هزلية في تاريخ القرصنة البحرية.

الدرس المستفاد لنا من التنامي المطرد لطالبان في أفغانستان والقوات الإسلامية في الصومال، بعد التجربتين الاحتلاليتين الفاشلتين فيهما، أن الاعتماد على السيطرة العسكرية والاتكاء على السيطرة السياسية في القضاء على الظاهرة الإسلامية، واستعداء الكل من دون فرز الألوان خيار فاشل، بل إنه يعطي نتائج عكسية، وأن تمييز الألوان والتعامل مع المعتدلين في أي ملة أو حركة أو طائفة، هو الكفيل بتفكيك بؤر الإرهاب، وتجفيف مصادر التطرف أو على الأقل إضعافها.

[email protected]