صحافة ديموقراطية الأحذية

TT

لو كان الرجل الذي ألقى حذاءه على الرئيس الأميركي جورج بوش في بغداد أول من أمس مواطنا عاديا وفعلها في أحد شوارع بغداد، لكان من الممكن القول إنه فقد اللباقة واللياقة، لكن أن يفعلها مراسل تلفزيوني فهذا أمر مستنكر، ومرفوض.

فقد كان بمقدور الصحافي العراقي طرح أسئلة قاسية أو محرجة على الرئيس الأميركي وهو يقف بجوار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، إلا أن الصحافي قرر استبدال الكلمة بالحذاء! متناسيا أن الصحافة لا تناقش وتحاور بالعنف والبذاءة. وما رأيناه في المؤتمر الصحافي ما هو إلا إهانة لمهنة الصحافة، ومؤشر على سوء فهم لطبيعتها، فالصحافي لا هو بالمجاهد، ولا المقاتل، وما هو إلا ساع لتقديم المعلومات، فالصحافي ليس المتكلم باسم الأمة، ولا حتى ضميرها كما يردد بعض المفلسين في هذه المهنة!

لكن من المهم التذكير هنا بأن ما شاهدناه من رمي بالأحذية في بغداد يعد الوجه الآخر لما سبق أن رأيناه في بغداد يوم أعلن الحاكم العسكري وقتها بول برايمر إلقاء القبض على صدام حسين وضجت حينها القاعة بالتصفيق والتهليل من قبل كثير من الصحافيين.

فلا التصفيق دور الصحافة، ولا الشتيمة أو قذف الآخرين بالأحذية، أيا كانت الأسباب، وللأسف فإن هناك من احتفى بحادثة رمي الحذاء المخجلة في بعض فضائياتنا العربية، بل وذهب البعض يبرر فعلة لا تشبه الصحافة المحترمة، ناهيك من الصحافي المحترم.

عندما نقول ذلك فليس دفاعا عن الرئيس الأميركي بقدر ما أنه دفاع عن ثقافتنا التي لا ترتضي ذلك، ودفاعا عن مهنية مهنة أصيبت بمرض الفهلوة حين ابتليت بأنها باتت مهنة من لا مهنة له للأسف!

كنا ننتظر من الصحافي الذي حضر المؤتمر الصحافي، ومن هم على شاكلته، أن يطرح أسئلة جادة على الرئيس الأميركي وعلى رئيس الوزراء العراقي لنفهم أكثر ما الذي سيترتب عليه توقيع الاتفاقية الأمنية لكل الأطراف، وتحديدا الشعب العراقي.

وكنا ننتظر أن نسمع إجابات المسؤولين عن كيف سيصونان العراق من مواصلة التدهور الطائفي، والارتماء بأيادي القوى الخارجية المخربة لحاضر ومستقبل العراق، وأبرزها إيران، وكيف سيتم التعامل معها؟

لم نكن ننتظر شخصا يبدل كلمته بحذائه، متناسيا أن العهد البائد، عهد صدام حسين، لم يكن يعترف بمؤتمر صحافي، بل لو تجرأ صحافي يومها بكلمة بذيئة على صدام حسين لخرجت قبيلته كلها تتبرأ منه، وتطالب بإيقاع أقسى العقوبات عليه.

وتناسى البعض أن وزير الكذب محمد سعيد الصحاف كان يقود الصحافيين كالقطيع حيث يريد هو، ولا يجرؤ أحد على مساءلته، أو حتى الخروج عن الدائرة المسموح للصحافيين التحرك فيها.

لكن هذا الصحافي العراقي الذي بات من حقه اليوم أن يسأل ويحاسب ويذكر السياسي بكذبه قرر أن لا يفعل ذلك، حيث رأى أن الحذاء أقوى من الكلمة، وأقوى من امتلاك المنطق والحجة، فهذا هو مفهوم الديموقراطية لدى البعض. كما أن بعض المنتسبين للعمل الصحافي يرون مفهوم الصحافة هكذا للأسف، متناسين أنهم ينتمون لمهنة تقوم على الكلمة، والمعرفة، لا رمي الأحذية!

[email protected]