إيران الخائفة أم المخيفة؟

TT

لم يكن غضب وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط مبالغا فيه وهو يكز على أسنانه ويتكلم بكل ما يملك من دبلوماسية ممكنة عن تلاعب إيران بـ«القضية» وبمشاعر الجمهور العربي من خلال «التنغيم» على القضية الفلسطينية ليلا ونهارا، وفي «الطالعة والنازلة» كلما تعثر لها أمر هنا او هناك مع امريكا وأوربا، او أرادت الضغط على مصر والسعودية والاردن، وعلى كل من يخالفها السياسة، باسم القضية الفلسطينية، الشماعة الخالدة لكل من يريد «حلب» الشعبية في هذا الجزء من العالم.

الوزير المصري اتهم إيران بالتلاعب ببعض الفلسطينيين، وقال إن الأخيرة لا تسعى لخير الشعب الفلسطيني وإنما لتحقيق مآرب خاصة. وقال في تصريح له بمطار القاهرة قبيل توجّهه إلى العاصمة التشيكية براغ، رداً على الانتقادات الإيرانية لموقف مصر من معبر رفح والوضع في غزة، إن «هناك للأسف البعض من الفلسطينيين الذين هم لعبة في أيدي إيران». وعلق أبو الغيط على أحاديث بعض المسؤولين الإيرانيين بالقول: «حقيقة الأمر انهم لا يقدمون أي شيء للقضية الفلسطينية سوى المزاعم والأحاديث والادعاءات، وكل ما هو كلام فارغ في فارغ».

هذا عن كلامه الذي قاله في المطار، وربما قال البعض إن ذلك كلام مستعجل، ولكن عميد الدبلوماسية المصرية قال ذلك بشكل واضح في حوار مع صحيفة «الأخبار» المصرية، حيث اتهم إيران بالسعي إلى الإمساك بأوراق المشكلات العربية حتى تستطيع أن تستخدمها في مواجهتها مع العالم الغربي دفاعا عن ملفها النووي. واعتبر: «عناصر التأثير الايراني على المشكلات العربية تؤدي إلى عواقب سلبية على الأرض العربية»، داعيا من لا يرى ذلك إلى أن يعيد النظر في تقديره ويراجع أمره.

وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة، قال في تصريحات صحافية لجريدة «الحياة» وهو يتحدث عن الاجتماع الموسع لمجلس الأمن مع دول الخليج لبحث أمن الخليج، إن طلب دول الخليج للمشاركة في مثل هذه الاجتماعات يأتي من اجل القول إن لدول الخليج رأيا في أمن الخليج، رأي يجب أن يستمع إليه، وهو ربما لخص هواجس (جل) الخليجيين من إيران بجملة جامعة مانعة حينما قال: «لا نريد عزل أنفسنا عن إيران ولا عزل إيران».

لكنه، وهو يتحدث باسم أغلب دول الخليج وليس باسم البحرين فقط، قال إن كلمته أمام منتدى (حوار المنامة) لم تكن تهديداً لإيران أو غيرها «فأنا لم أهدد أحداً، والرسالة كانت: لا تظنوا أننا سنكون حمائم أكثر من اللازم، فمثلما نحن ملتزمون الدبلوماسية، فإننا ملتزمون أمن أوطاننا واستقرارها».

إيران الآن مستفزة جدا، ربما بسبب خيبة أملها من بداية ملامح ادارة الرئيس الامريكي الجديد أوباما الذي لم يخف عصا بوش بل أضاف لها جزرة ! الأمر الذي استفز «عاقل» النظام هاشمي رفسنجاني، فرد بحدة وغضب، وها هي إيران تشغل ماكينتها الإعلامية وتحرض جماعاتها السياسية في المنطقة، بل ووصل الأمر إلى استخدام جماعات مجهولة نبتت مثل الفطر، كجماعة «إخوان الرضا» التي هاجمت مقر الخطوط السعودية الجوية في طهران بقنابل الزجاجات الحارقة، بحجة ان السعودية تدعم عملية السلام في منطقة الشرق الاوسط، كما جاء في خبر (أ.ب)، ويوم الاثنين من الاسبوع الماضي قامت جماعة أخرى بمهاجمة مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران وردّدت هتافات مناوئة للرئيس المصري حسني مبارك وطالبت القاهرة بإعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.

وحماس بدورها لم تقصر في الانخراط الكامل في هذه الحملة الإيرانية التوتيرية للمنطقة بحجة «القضية» الفلسطينية، واستباحة كل شيء باسم القضية، وضرب حدود الدول باسم القضية، وتعطيل كل شيء باسم القضية، بل وحتى الكف عن نقد ايران او الاعتراض على سياساتها باسم القضية، فكل شيء مباح لإيران ما دامت تقول إنها مع القضية وتستقبل خالد مشعل ورمضان شلح وغيرهما وتمدهم بكل اسباب الاستمرار والقوة، والاستقواء ايضا، فما دام أن نموذج حزب الله نجح، فلماذا لا يتم تكريره وإلغاء الدول القائمة لصالح الجماعات / الدول، التي تدور وتتحرك وفق البوصلة الإيرانية «الإلهية».

الم يؤكد موسى ابو مرزوق، نائب رئيس مكتب حماس السياسي لصحيفة «الراية» القطرية، مؤخرا، أن قضية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران مبالغ فيها، وأن: «الغمز واللمز على الموقف الإيراني لا يخدم القضية الفلسطينية».

واستغرب ابو موسى في تلك التصريحات التي نشرتها «الراية» القطرية هذه الضجة حول الجزر الإماراتية، وتساءل عن «الأسباب التي تدفع إلى إثارة قضية الجزر في الوقت الحالي». ورأى أن تغير الموقف الإيراني يقف وراء ذلك.

لكن، وبعد الغضب الإماراتي، المبرر، على هذه التصريحات الاستخفافية بحق الإمارات بجزرها وإصرارها على المطالبة بها، رجعت حماس وحاولت تصحيح موقفها وقالت إن تصريحات أبي مرزوق أسيء فهمها. مع أننا لم نتعود أن يسيء الإعلام القطري فهم لغة حماس ورسائلها.

يتزامن هذا الهجوم الإعلامي ورشق العصابات الإيرانية بالزجاجات الحارقة وغيرها، للمصالح السعودية والمصرية في طهران، مع تصعيد حماس السياسي والإعلامي، وتخوين الجميع إلا ايران، يتزامن مع هجمات إعلامية بالغة السوقية من أبواق محسوبة على سورية في لبنان، سواء عبر مقالات صريحة الانتماء للجهاز الإعلامي السوري أو عبر أحاديث فضائية يحاضر فيها «فتى الجاهلية» محاضرات في تاريخ الجزيرة العربية منتصرا لأمة محمد لحساب الأجهزة السورية أو الراية الصفراء للحزب الإلهي.

يبدو هذا الهجوم المزدوج من إيران ومحاسيبها، وسوريا ومحاسيبها، على السعودية ومصر استغلالا للمرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم، أو من اجل خيبة الأمل الإيرانية بحدوث تغيير في مواقف دول المنطقة الأساسية ودول العالم حول سياستها، ليس في امتلاك النووي فقط، فالنووي ليس إلا ترميز كثيف لطبيعة الخلاف والاختلاف مع إيران، الذي يتمحور حول هذا السؤال: هل نقر بالسيادة الإقليمية لإيران في المنطقة ونمشي كلنا على إيقاعها فقط، فهي التي تضع الخطوط وتحدد الشرعي من اللاشرعي في السياسة من الدول والجماعات؟ النووي مجرد ستار لغابة من الأسرار خلفه، أسرار قد تصل إلى أعماق التاريخ الامبراطوري الطموح، وأما سوريا، الحالية، سوريا النظام السياسي، فقياسا بمطامح وأحلام إيران، ليست، رغم كل ما تفعله وفعلته في لبنان، وضجيجها وأبواقها، إلا سطر صغير في «الشاهنامة» الإيرانية.

عقدة العقدة في الاستقرار السياسي الإقليمي هو في ما تسفر عنه المعركة السياسية وصراع الأفكار وتناقض المصالح بين إيران وبقية الدول العربية المقتنعة بخطر الطموح الإيراني، لأن هناك دولا لا ترى الأمور بذات الرؤية كما لمح الوزير المصري أحمد أبو الغيط.

وحدها السعودية ومعها مصر والأردن وبعض دول الخليج من يدرك أبعاد وحجم هذه المعركة، لكن لا نرى لها لحد الآن رؤية واستراتيجية مضادة ومتكاملة، على كل المستويات، كما هو شأن إيران، ومن شروط هذه الرؤية المضادة أن لا تقرن وتدمج بين مصالح ورؤى دول المنطقة بمصالح أمريكا حسب رؤيتها، لأنه حتى لو لم توجد أمريكا، ستظل إيران، وفق أحلامها وخطابها الأيدلوجي الثوري والقومي أيضا، خطرا سياسيا وأمنيا على دول المنطقة، وسنرى فصولا وفصولا من هذا الصراع الشرس في السنوات القليلة المقبلة، بل ربما ان المواجهة في أولها، إيران تخيفنا لأنها خائفة، ربما... لكن قبل كل هذا وبعد كل هذا نردد مع وزير الخارجية البحريني: «لا نريد عزل أنفسنا عن إيران ولا عزل إيران». شريطة أن لا تريد هي عزلنا ومن ثم عزل نفسها.

[email protected]