ما هو الحاضر والمستقبل للجيل الجديد في فلسطين؟

TT

أدلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بمحاضرة أمام المجتمعات اليهودية المتحدة في القدس، وقرأت الخطاب بصحيفة هآرتس. وكان هناك تفسير بالغ الأهمية بشأن الحاضر، والمستقبل في كلماته، حيث قال: «عندما زار أوباما إسرائيل خلال حملته الانتخابية، طلب مني النصح والمشورة، فقلت له: سأتحدث إليك كشاب يتحدث إلى شاب. ورغم أنني شاب كبير، وأنت شاب صغير، إلا أنني أريد إخبارك أنه لو أتى إليك شخص وقال: إن المستقبل ملك للشباب، إذا سمعت هذه العبارة القديمة، فألقيه خارجًا. لأن الحاضر ملك للشباب، أما المستقبل فملك أناس مثلي. فنحن لدينا وقت للمستقبل، أما الشباب فليس لديهم الكثير من الوقت».

وعندما فكرت في الأجيال الجديدة في فلسطين، وفي غزة، والعراق، وأفغانستان.. تذكرت نصيحة شيمون بيريز، وسألت نفسي: من سيجيب هؤلاء الشباب عن حاضرهم؟ من المسؤول عن آلامهم ومعاناتهم؟ من سيشرح الفارق بين الحاضر والمستقبل لهم؟ من دمر حاضرهم ومستقبلهم؟ يبدو أن شيمون بيريز لديه وجهان، وهما مثل وجهي الإله جانوس عند الرومان!

ففي الأساطير الرومانية، كان هناك إله يُدعى جانوس وهو إله الأبواب، والمداخل، والبدايات، والنهايات. ومن أكثر اثاره الباقية في الثقافة الحديثة، تسمية أول شهور السنة ـ شهر يناير ـ على اسمه.

ولدى شيمون بيريز وجهان أو مدخلان، أحدهما يطل على أميركا ـ وهو وجه ملؤه الرحمة والعطف. والآخر يطل على المسلمين، وهو الوجه المليء بالسموم والكراهية.

وعندما يتحدث عن الولايات المتحدة فإنه يقول: عندما سألني أوباما ماذا يمكنني فعله لإسرائيل؟ أجبته: «كن رئيسًا عظيمًا للولايات المتحدة الأميركية»! وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل متمازجتان مع بعضهما بعضا، ومن الصعب في بعض الأحيان تمييز الخط المبهم بين استراتيجيتهما، ومنافعهما.

لقد زعم بيريز أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترغبان في السلام، حين قال «ما تريده الولايات المتحدة، نريده نحن أيضًا. هم يريدون السلام في الشرق الأوسط ونحن أيضًا. ولا يوجد مرشح آخر لتحقيق السلام في الشرق الأوسط غير إسرائيل»، إن إسرائيل هي أيقونة السلام في منطقتنا! تمامًا كما ترغب أميركا.

وكما أوضحت آنفًا، يطل الوجه الآخر على المسلمين والدول الإسلامية، وعلى إيران على وجه الخصوص. ويصر الوجه الأول على الوحدة والمشورة الحكيمة مع أميركا، أما الوجه الآخر فله لغة خاصة، تصر بثبات على إيجاد خلافات بين الإسلام والديمقراطية، وبين الدول العربية، حيث يصنفها على انها إما عصرية أو راديكالية، وبين العرب وإيران. ويبدو لنا الأمر كما لو كان ساحرًا، إذ يمسك بإحدى يديه مخيطا محاولاً جمع أشلاء النسيج الممزق، وباليد الأخرى، يمسك بمشرط حاد يقطع به أنسجة الثوب. أما الثوب الأول فيرمز للولايات المتحدة وإسرائيل، وفيما يخص الثوب الآخر يرمز للمسلمين.

وعندما نقرأ كتب وخطابات بيريز، يتضح لنا أنه يبني المزيد من الحدود بيننا، آخر هذه الحدود وليس آخرها، أمله في تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة.

ثانيًا، يحاول بيريز شرح الإسلام بطريقة كما لو كان ضد الديمقراطية. فهو يعتقد بأن لدينا نوعين من المسلمين، وأن كل مسلم أو دولة إسلامية تقبل بإسرائيل كصانعة قرار، يعتبر ديمقراطيا. وقبل شيمون بيريز، أطل علينا مارتن إنديس ـ أول سفير يهودي لإسرائيل ـ بتحليل متفائل مدهش في نوعه لعواقب وتبعات الحرب اللبنانية، إذ قال في خطاب ألقاه في معهد لوي بأستراليا في شهر سبتمبر (أيلول) 2006، إن حزب الله خلق انطباعًا بالنصر في ميدان المعركة، ولكن إذا ما لعبت إسرائيل بالأوراق التي في يديها على النحو الأمثل، فبإمكانها تحويل «خسارتها» إلى ثورة إيجابية وجوهرية في علاقاتها مع الدول العربية. واختارت صحيفة هآرتس عنوانًا بالغ الحساسية لخطاب إنديس، ألا وهو: «هل يمكن لهذه الحرب أن تسفر عن تحالف سني إسرائيلي»؟ من الواضح تمامًا أن إسرائيل لا تفكر إلا في مصالحها ومنافعها فقط، وليس منافع السنة أو الشيعة. فعلى سبيل المثال وفي عهد محمد رضا شاه، زار شيمون بيريز إيران، عندما كان متقلدًا منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، وفي زيارته وقع على اتفاقية مع الشاه لبيع الصواريخ ذات الرؤوس الذرية إلى إيران، وحصلت إسرائيل على مليار دولار في المقابل.

في تلك الفترة، اعتادت إسرائيل على التمييز بين العرب وغير العرب، وكانت كل من إيران وتركيا من أقرب حلفائها آنذاك. ولم تكن إسرائيل تثير قضية السنة والشيعة أبدًا في تلك الفترة.

أما المعيار الثاني فهو الديمقراطية. هل تعتبر إسرائيل أيقونة الديمقراطية في منطقتنا؟ إن أكثر من مليون ونصف نسمة يقطنون في قطاع غزة، لا يملكون الحليب لأطفالهم، فضلاً عن أنهم يعيشون من دون أدوية، ولا كهرباء، وما غير ذلك، فهل هذه هي الديمقراطية. ثم تطل علينا إسرائيل بعد كل هذا لتعلّم الدول الإسلامية، كيف يكونون ديمقراطيين مثل شيمون بيريز.

بمعنى آخر، إن إسرائيل تقدر الديمقراطية والسلام وأي مفهوم آخر فقط، إذا ما تم قبولها والاعتراف بها كلاعب أساسي في منطقتنا.

لقد علّمنا شيمون بيريز أن هناك مسلمين يعتقدون أن الديمقراطية دين آخر، وليس نظاما مختلفا، وأنهم يقولون لأنفسهم «نحن مسلمون، فلم نكون ديمقراطيين»!

لا يا سيد بيريز، إننا مسلمون وديمقراطيون، لكننا لا نؤمن بأن إسرائيل هي أيقونة الديمقراطية والسلام بمنطقتنا، ولتوجه ناظريك إلى غزة، أليست هذه هي المدينة التي ذكرتها بالضبط في كتابك ـ الشرق الوسط الجديد ـ قائلاً عنها: «مدينة غزة ذات الـ7000 عامًا، و7000 عامًا من المعاناة»! فماذا يحمل المستقبل لشباب غزة؟