تعميم الهمجية

TT

الأغرب من تصرف صحافي الحذاء في المؤتمر الصحافي لبوش والمالكي في بغداد هي سيل المواقف التي خرجت بعدها لتمجد ما تعتبره بطولة، وتعكس شيئا مرضيا مكبوتا عبرت عنه سيل النكات التي خرجت والتي توحي باننا مقبلون على حرب أحذية.

يحدث في العالم ان تخرج احتجاجات في أحيان عن حدود ما هو مسموح حتى في أكثر الدول ديمقراطية، فكثير ما تعرض سياسيون في الغرب الى اهانات القذف بالبيض والطماطم، لكن لا أحد يخرج علانية للدفاع عنها.

وفي حالة الصحافي العراقي الغاضب فان هناك كما يبدو تطويرا للفكرة ومواءمة لها مع البيئة باللجوء الى الحذاء كوسيلة للاحتجاج وان كانت المشكلة هناك ان الطرف المتلقي ثقافته بيض وطماطم وليس أحذية فالحذاء في الثقافة الغربية ليس له نفس المفهوم لدى جوقة الأحذية العربية.

ولا نعرف ما الذي كان يدور داخل نفس هذا الصحافي ودفعه الى الخروج عن المألوف في مؤتمر عادة ما يتم في مناسبات مثله التدقيق في قائمة الشخصيات التي ستحضره، لكن غير المفهوم هو هذه الحملة التي تمجد ما فعله باعتباره قام بعمل بطولي اهان فيه كرامة اميركا وبوش الى اخر قائمة بيع الوهم للرأي العام.

فقد يمكن تفهم ردود فعل تيارات سياسية واحزاب وجدت ان هذه الحادثة تتماشى مع اجندتها السياسية، لكن غير المفهوم هو تبرير ذلك من قبل جهات صحافية وعدم الاعتذار، في حين انها اول من يعلم ان هذا التصرف لا يتفق مع تقاليد المهنة ويضر بها مستقبلا.

فالاهداف السياسية لا تبرر التخلي عن القواعد العامة المتفق عليها لسلوكيات البشر او تقاليد المهن، والمجتمعات تستفيد من المهنيين عندما يتفوقون في مهنهم ويطورون فيها لا ان يقلدوا المصارعين ويستخدموا اذرعتهم بدلا من عقولهم، ومحاولة الترويج لهذا افساد وبيع للوهم وتعميم لسلوكيات همجية.

وهناك فارق كبير في النهاية بين المعتقدات السياسية ايا كانت، والموقف مما حدث في العراق، وسياسات واشنطن في المنطقة والتعبير عن ذلك بشكل متحضر، وبين اللجوء الى الهمجية التي تلغي العقل وتصبح مثل المرض القابل للانتشار وتضر صاحبها اكثر مما تضر خصومه.

ببساطة فان هذه الحادثة لا يصلح التعامل معها سوى كنكتة، ومادة للتندر، لكن التعامل معها كشيء اكبر من ذلك يعني ان هناك حالة مرضية.