خطر الإبقاء على المسؤولين

TT

لعل أهم مجالين يمكن أن يواجههما أوباما خلال فترة رئاسته الجديدة، هما: الأمن القومي والسياسة الاقتصادية، اللذان اختار فيهما أوباما سياسة الاستمرار وليس التغيير. وقد كان ذلك مطمئنًا بالنسبة إلى الكثيرين، لكنه ينطوي ـ في الوقت نفسه ـ على مخاطر على المدى البعيد.

احتفاظ أوباما باثنين من أبرز نجوم إدارة بوش ـ روبرت غيتس كوزير للدفاع، وتيم جيزنر كوزير للخزانة ـ يؤكد صدق ثقة أوباما بقدرتهما أو بإمكانية إسهامهما في نجاحه.

لقد نجح غيتس الذي تولى مسؤولية وزارة الدفاع، منذ عامين، خلفًا لدونالد رامسفيلد إدارة البنتاغون بيد من حديد، وأعاد بناء علاقتها التي ضعفت مع الكونغرس على يد سلفه. وفي مجموعة من الكلمات التي تنم عن عمق تفكيره، حث غيتس على ضرورة رفع مستوى التنسيق في سياسة الإدارة رافضًا، أي إشارة تعبر عن ضيق الأفق في التفكير وضاربًا مثلاً لمن يعملون في مجال الأمن القومي.

كما عمل جيزنر ـ هو الآخر ـ كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك خلال عمله، على المزج بين الدراسة الأكاديمية والخبرة الكبيرة في وزارة الخزانة، بالإضافة إلى عمله بالقرب من مسؤولي البنك الفيدرالي. وقد شارك جيزنر إلى جانب بن بيرنانكي رئيس البنك الفيدرالي، وهانك بولسون وزير الخزانة، في خطة إنقاذ وول ستريت والنظام المصرفي من آثار الأزمة الاقتصادية. ولا يمكن أن يأمل رئيس يضطلع بمهام الرئاسة للمرة الأولى، ويحمل على كاهله تركة متخمة بالمشكلات (حربين وركود اقتصادي وتحديات أخرى) في الحصول على مستشارين أفضل من ذلك. فقد حصل غيتس وجيزنر على احترام الجميع لنقلهما الحقيقة إلى مراكز صنع القرار.

بيد أننا نتمنى ألا ينسى أوباما الدرس الذي تعلمه كنيدي بشأن الاحتفاظ بمسؤولين من الإدارة السابقة. فبالنسبة لكنيدي لم يكن الأمر متعلقًا بالأشخاص بقدر ما هو متعلق بالسياسة، خاصة مغامرة خليج الخنازير. وقد صيغت فكرة غزو كوبا التي نفذتها مجموعة من معارضي كاسترو الذين دربتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال الفترة الأخيرة من حكم أيزنهاور. وعندما اطلع الرئيس الجديد على الخطة أثار عددا من التساؤلات، لكنه رضخ في نهاية الأمر واقتنع بتنفيذ الفكرة. بيد أنها ارتدت في وجهه وأجبر على التفاوض، في وضع مذل، مع كاسترو لتحرير القوات المهزومة. ويشير بعض الخبراء إلى أن قراءة موسكو لهذا الإخفاق أدت إلى جرأتها في تشييد سور برلين ومحاولة نصب صواريخ في كوبا. وقد لا تكون هناك فكرة ممثالة لفكرة غزو خليج الخنازير في الكتاب السري للبنتاغون، ولكن حتى إن كانت هناك، فلن نعرفها بالطبع، لكننا نعلم أن وحدات القوات الخاصة تعمل في مناطق الحدود في أفغانستان والعراق، وقد قيل لنا إن هذه القوات تم نشرها لمكافحة الإرهاب في دول أخرى عديدة.

وهب أن غيتس قدم تلك المهمات للرئيس الجديد، فلا بد أنه سيكون مدافعًا عنها. ولذا يشير نموذج كنيدي إلى ضرورة أن يكون الرئيس ومستشاروه أكثر تشككًا في تساؤلاتهم.

ومثال جيزنر يمكن أن يحدث نفس النتائج على الرغم من أنه أقل دراماتيكية. فهو يحظى باستثمارات مؤسسية وشخصية في السياسات لاحتواء ومحاولة علاج الفوضى الاقتصادية لأزمة الائتمان البنكي. ويبدو أن أوباما مستعد الآن لتجاوز المقترحات الموجودة، لكنه لم يبد ما إذا كان مستعدًا للتخلص من الخطوات الماضية لأنها لم تؤت النتائج المرغوبة. ومع وجود جيزنر في الوزارة، فهل سيكون أوباما أكثر ترددًا في تغيير المسار؟ هل سيكون بيتر أورسزاج من خلال موقعه في مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض أو لاري سامرز أحد الاقتصاديين الكبار الذين رشحهم أوباما بمجلس الاقتصاد الوطني في البيت الأبيض، راغبين في تغيير جيزنر إذا ما اختلفوا معه؟ دائمًا ما يقال في الحكومة إن الأشخاص هم تعبير عن السياسة. وعندما يتسلم الأشخاص السلطة فإن سياساتهم بحاجة إلى تدقيق أكبر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»