صحافيون «زلط ملط»!

TT

لست أدري كيف سيطمئن الزعماء السياسيون للصحافيين بعد ما حدث في ذلك المؤتمر الذي اعتدى فيه أحد الصحافيين على الرئيس الأمريكي بحذائه، معتبرا ما فعل تحية الوداع الأخيرة لبوش، فحينما تختل موازين الثقة بين السياسيين والصحافيين، فقد تشترط بعض الزعامات السياسية الغربية أن تكون المؤتمرات خالية من أسلحة الدمار المعنوي، وأن لا يحضر الصحافيون العرب إلى المؤتمرات إلا «زلط ملط»، أو سيضطر المسؤولون إلى عقد المؤتمرات داخل أقماع زجاجية مضادة لكل أنواع الأحذية، خاصة إذا اشتبه في أن مقاسات بعضها 44 وما فوق..

صحيح أن زعماء سياسيين غربيين تعرضوا من قبل للرجم بالطماطم وأشياء أخرى، لكن لم يكن الصحافيون قط من بين الرماة في أي من تلك الأحداث، ربما لأنهم أمنوا بأن الكلمة سلاحهم الوحيد، فأية حالة نفسية دفعت منتظر الزيدي إلى تغيير أدواته، والاقتناع بأن «القندرة أصدق أنباء من القلم»؟!

ومن بين مختلف المواقف المؤيدة، والمستنكرة، والـ«بين بين» لما أحدثه حذاء الزيدي من إثارة، لفت نظري موقف الثري الذي عرض 10 ملايين دولار لشراء ذلك الحذاء، إذ يبدو أن هذا الثري جاد ومتحمس وصادق النية في رغبة الشراء، وليس كذلك المليونير الذي دخل مزادا قبل سنوات لمقتنيات أم كلثوم، فتقدم برقم يصل إلى خانة الملايين لشراء منديلها، ثم فر هاربا تاركا خلفه حاشية من الحكايات وعاصفة من نقع الكلام، مع مراعاة الفارق هنا بين حذاء السياسة، ومنديل الغناء.. ولو قدر للزيدي أن يخرج من سجنه ـ بعد عمر طويل ـ ويسترد حذاءه لأدرك أية ثروة ظل ينتعلها طويلا قبل أن يقذف بها تجاه الرئيس، وفي كل الأحوال فإن حذاء الزيدي سيدخل موسوعة «جينتس» باعتباره أغلى وأثمن حذاء في التاريخ منذ أن انتقلت البشرية من مرحلة الاحتفاء إلى الانتعال!

القذف بالحذاء في الثقافة العربية إهانة عظمى، ولكنه في الثقافة الغربية مجرد أداة استخدمت للاحتجاج، ولا تختلف عن القذف بالطماطم أو البيض، ولذا سيفتح ملايين الأمريكان أفواههم إلى أقصى مداها دهشة إن علموا أن قيمة الحذاء بلغت في السوق «البيضاء» 10 ملايين دولار، وسيسأل جهلاؤهم في سذاجة: من أي جلد نادر صنع ذلك الحذاء؟! أما اقتصاديوهم فسوف يسارعون لشراء مصنع الأحذية بأكمله.. السياسيون وحدهم سيتمنون لو أننا حفاة، عراة، «زلط»، «ملط» ليعقدوا مؤتمراتهم الصحافية في أمان.

[email protected]