هل يقول العرب لأوباما: نعم نستطيع؟

TT

لو كان اتقان اللغة العربية يعني اتقان الحكم، لكان إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، اهم حاكم حكيم.

لو كان استمتاع الخطيب برنة صوته وصدى تأثير كلماته عليه شخصياً يأتي بالحلول، لكان الغزاويون يتمتعون الآن بحياة كريمة ولكانوا غير محاصرين او ينتظرون اعانة تتسلل اليهم من معبر ما او من البحر.

التنوين الصائب لكل كلمة، يجعل هنية ينتشي ولا يختصر من خطابه، لا بل يردد الكلمات مرة بعد مرة، ويهدد بأن ما يجري «مسخرة»، لكن كل مفردات اللغة العربية، لا تطعم خبزاً، وليسمح لنا هنية، ثم ان من يراه لا يصدق ان هناك جوعاً في غزة.

العالم مقبل على مرحلة جديدة، وليس مطلوباً من الفلسطينيين، خصوصاً من اهالي غزة، ان يتجاوبوا مع دعوات ايران، فلهذه برنامجها، وتريدهم ورقة على طاولة مفاوضاتها.

ستركز الادارة الاميركية الجديدة على ايران، باكستان وافغانستان. ومن اجل الخروج من العراق ستتصل الادارة بايران وسوريا، وعبر موفدين خاصين ابلغ الرئيس المنتخب باراك اوباما الجميع بأنه يريد التفاوض.

اما موضوع فلسطين، فطالما ان السلطة الوطنية و«حماس» غير متفقين فلن يكون هناك اي جهد. ان الخلاف الذي تصر عليه «حماس» سيصعّب الوصول الى حل. ولأنه على المدى المنظور لن يكون كما قال هنية: «ان فلسطينيي 48 لن يأتوا الينا، انما نحن الذين سنأتي اليهم»، او ما تقوله القيادة الايرنية «ان ابادة اسرائيل صارت قريبة»، فإن اسرائيل حتى الآن غير مستعدة للتفاوض مع «حماس» الا اذا اعترفت بكل الاتفاقيات الموّقعة. اميركا ايضاً لن تتصل بـ«حماس» اذا لم تغيّر موقفها، ولن يكون هناك خرق جدي في محاثات السلام.

وجهة النظر السائدة الآن في واشنطن تقول بوجوب ان تكون السلطة الفلسطينية مسيطرة على الامن الداخلي، لأنه من دون كيان فلسطيني موحد، لا يمكن لاسرائيل التفاوض. وعن هذا الامر كان جيمس جونز، مستشار الامن القومي الجديد، مسؤولاً عندما كان مبعوثاً خاصاً للشرق الاوسط.

اذا وافقت «حماس» على الاتفاقيات السابقة، عندها تجري انتخابات، وتتشكل حكومة اتحاد وطني، لكن من المستبعد ان تقبل بعدما تلقت الاشارة من طهران، فهذه مع اقتراب تسلم الادارة الجديدة في واشنطن، تحركت تحت شعار رفع الحصار عن غزة، فانطلقت المظاهرات من امام السفارة المصرية في طهران ثم تتالت وتوسعت لتصل الى «حماس» في غزة ومن ثم ليدعو اليها في الضاحية الجنوبية من بيروت امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله مع توجه واحد اهانة الزعماء العرب، وتحميلهم مسؤولية عدم التزام «حماس» بتواقيع من سبقها من المسؤولين الفلسطينيين التاريخيين.

ان الانقسام الفلسطيني سيجعل اسرائيل تتجه الى تفضيل المسار السوري حتى مع مجيء بنيامين نتانياهو الى الحكم، لأن ذلك المسار اسهل. ففي سوريا حكومة وحكم يحترمان كل الاتفاقيات الموّقعة بين سوريا واسرائيل. ومن المحتمل ان يشعر نتانياهو او تسيبي ليفني او ايهود باراك بأن التركيز على سوريا يجب ان يكون اولوية، لأنه يعني نسيان الضفة الغربية ومستقبلها.

تساءل مرجع اميركي امامي، عن الدولة القادرة على اقناع «حماس» بالاعتراف بالاتفاقيات الموّقعة وبوقف اطلاق «صواريخها» على المستوطنات، لأن الثمن الذي يدفعه الغزاويون بسبب هذه الصواريخ باهظ، ويصب في المصلحة الايرانية، ورفع سقف المطالب الايرانية، وتكديس اوراق تفاوض اكثر في ايدي القيادة الايرانية.

والملاحظ في كل «اللعبة» الايرانية من بطولات وحروب، ومواجهات، ان العرب يدفعون الثمن، إن كان بأرواحهم او باراضيهم وممتلكاتهم، فيما الثمن لذي يدفعه الايرانيون هو التظاهر والهتاف بالموت لاميركا ولاسرائيل، واضافوا الآن اسماء الزعماء العرب!

يتوقع محدثي الاميركي بأن تقوم واحدة من ثلاث دول بدور اقناع «حماس» او «تجميدها»، وهي: إما قطر، او سوريا او ايران!

اخطأ فلسطينيو السلطة عندما وقعوا ضحية اليوت ابرامز مسؤول الامن القومي في ادارة جورج دبليو بوش، فهو اقترح تغيير الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، و«الا لن تكون هناك دولة». ارتكب الفلسطينيون الغلطة الكبرى عندما لم يطلبوا ضمانات مؤكدة لقيام الدولة مثل وقف عملية الاستيطان واطلاق السجناء. ثم اصر ابرامز على اجراء الانتخابات. كان هناك حظ كبير بفوز «حماس». لم يكن لدى الفلسطينيين تفكير استراتيجي، كأن يصروا على استمرار المفاوضات حتى لو فازت «حماس». ايليوت ابرامز كان يعرف ان «حماس» ستفوز، هو رأى في فوزها مساعدة لاسرائيل، لأنه يمنعها من الحوار مع طرف لا يعترف بوجودها.

الذين كانوا يعرفون الرئيس جورج دبليو بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، كانوا متأكدين من ان اي تقدم لن يحصل، غير ان فلسطينيي السلطة لم يكونوا على علاقة بهؤلاء الناس.

هذه السياسة الخاطئة استفادت منها ايران، وصار الاسرائيليون مهووسين بالتمدد والخطر الايرانيين، من هنا مالت كفة الميزان باتجاه الانفتاح على سوريا. اميركا كانت ضد المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية، وهنا يبرز مرة اخرى دور اليوت ابرامز. عندما كان ارييل شارون رئيساً للوزراء قبل ان يغط في الكوما، نسق مع ابرامز على الابقاء على سوريا معزولة. لكن مرضه غيّر كل الاولويات. جاء ايهود اولمرت وأحس باهمية الموضوع الايراني، لهذا قرر فتح حوار مع سوريا، لأن هذا يغطي عدة مسائل: المسألة الايرانية، الارض مقابل السلام، ثم صلة سوريا بـ«حماس» و«حزب الله»، قبل ان تسيطر ايران على «حماس» سيطرة كاملة.

ابلغت اسرائيل اميركا بأنها تريد التفاوضع مع سوريا، واصر اولمرت والمؤسسة العسكرية الاسرائيلية على الأمر، لكن اميركا لم تكن مرتاحة.

كانت فكرة ايليوت ابرامز بضرورة الضغط على سوريا من العراق ومن لبنان، بمعنى ان ابرامز خدع اللبنانيين واستغلهم، لأن التحالف في لبنان كان ضد سوريا وليس مع لبنان.

رفضت اسرائيل الانتظار حتى نجاح «استراتيجية» ابرامز، وابلغت واشنطن، بأن سياسة اخراج سوريا من لبنان ادت الى ازدياد النفوذ الايراني فيه، واثبت فريق «14 آذار» ان لا وجود عسكرياً لهم خلال احداث «7 ايار» كما تضاعفت قوة «حزب الله»، وصار موقف «حماس» في غزة قوياً.

في اسرائيل حالياً طرحان، الاول: ضرورة فتح حوار فوري مع سوريا، والثاني: ضرورة وضع شروط جديدة بأن تعيد سوريا «تمحورها الاستراتيجي»، اذ لا يمكنها ان ترتبط بتحالفات استراتيجية مع اعداء اسرائيل اذا كانت تريد السلام لاستعادة اراضيها، وتريد نفوذاً قوياً في لبنان، ووضعاً جديداً في العراق.

وكانت انقرة ابلغت تل ابيب هذه المطالب السورية، وقد اخذت تركيا على عاتقها تحسين العلاقة بين سوريا واميركا.

في مقابل هذه الشروط الاسرائيلية، واذا ساعدت سوريا على تهدئة الاوضاع مع «حماس» و«حزب الله»، فان اسرائيل لا تريد من سوريا قطع علاقاتها بايران، بل ان تكون العلاقة السورية ـ الايرانية تماماً كما العلاقة بين تركيا وايران.

الانتظار الآن حتى اجراء الانتخابات الاسرائيلية لتقرر تل ابيب في اي مسار تنطلق. الرئيس الاميركي المنتخب لا يعارض، ويبقى لمن ستكون الاولوية اذن؟

يقول المصدر الاميركي، يمكن للعرب ان يستعيدوا زمام المبادرة، اذا شكلت الجامعة العربية وفداً من عدة زعماء عرب يتوجهون لمقابلة اوباما، وعرض المبادرة العربية عليه والاستماع اليه. اوباما لن يتحرك اذا لم يكن العرب فعالين وفاعلين. ثم انه لن يقبل مجرد الكلام، يريد مبادرة عربية توحّد الفلسطينيين والعرب، كما انه سيبلّغ العرب بأن المطلوب ليس اقناعه فقط، بل اقناع الرأي العام الاسرائيلي، هذا اذا اراد العرب السلام وتثبيت الحدود النهائية «لأن الاسرائيليين والفلسطينيين تفاوضوا اخيراً حول خريطة واحدة، وظهر الخلاف الكبير حول القدس والمستوطنات».

ويقول محدثي: «لأول مرة يأتي رئيس اميركي غير منحاز ثقافياً ضد العرب. اذا ارادوا منه التواصل، على العرب اخذ المبادرة والقيام بزيارة الى واشنطن والاستماع الى آرائه والنقاش معه، وقد يخرجون بمبادرة عربية ـ اميركية بعد الحوار معه».

شعار اوباما: «نعم نستطيع». على العرب الاقتناع بقدراتهم، والتوقف عن القيام بردود فعل، فهذه لن تنتهي ولن توصل الى شيء. العالم في حالة تغيير. العرب قادرون وعليهم احياء مبادرتهم ودفعها واضفاء زخم حقيقي عليها.

استقبال الزائرين لا يكفي. الرسائل لا تكفي، الحملات الاعلامية يجب ألا تخيفهم، التحرك الواضح ضروري، تماماً كما الحضور. الحق قوي ويجب ألا يسمحوا لأي طرف بسرقته منهم.