الذين ناموا وكأنهم ما ناموا!

TT

لا أعرف كيف أصحو من النوم بهذه الصورة؛ فأنا إذا فتحت عيني، فإنني أجلس في السرير.. آسف لا أجلس ولكن أجدني قد نهضت ووضعت رجلي في «الشبشب» واتجهت إلى مكتبي لأصنع شاياً وأقرأ وأكتب!

فلا توجد دقيقة واحدة بين فتح العينين واليقظة التامة وبدء العمل.. على عكس أناس كثيرين يفتحون عيونهم ثم يغمضونها ويستأنفون النوم بعد ذلك.. أو يتقلبون في الفراش بدون أن يفتحوا عيونهم.. أو إذا أطلقت النار إلى جوارهم فإنهم يهرشون آذانهم كأن الذي حدث هو طنين بعوضة.. ولذلك فأنا لا أستطيع أن أقول: راحت علي نومة..

فأنا أنام على سطح النوم.. بينما أناس آخرون يغرقون في النوم.. أو عند قاع النوم. قال لي الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه كان ينام وهو طفل في حالة من الفزع والخوف.. ولكنه عندما كبر فقد عرف الأمان والنوم العميق الهادئ.. فلا شيء يوقظه أو يجب أن يوقظه، فهو على مهله تماما في كل شيء..

وقال لي إن سبب قلقه وهو صغير هو أنه عندما كان في الثالثة من عمره وجدهم يغسلونه ـ بتشديد السين ـ باعتباره قد مات.. فقد كان نحيفاً جداً ولا أحد يسمع له صوتاً إذا نام. ولا يلاحظ لصدره أية حركة.. فظنوه مات.. ونقلوه من السرير إلى أحد الأماكن وراحوا يصبون عليه الماء الساخن عندها صرخ! وكان من نتيجة هذه الحادثة أنه لم يعد ينام بعمق، وأنه خائف من الموت!

وكان الأديب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن مؤلف قصص الأطفال الشهير نحيفاً جداً حتى يندهش الناس كيف أنه كائن حي.. وما الذي يأكله وما الذي يشربه، وكانوا يعتقدون أنه يعيش على الهواء.. وكانوا يقولون إن فمه ضيق لدرجة أن حبة الفاصوليا لا تدخل فمه إلا بصعوبة!

وكان من عادة أندرسن أن يكتب ورقة إلى جوار السرير.. هذه الورقة يوجهها لصاحبة البيت: إنني لم أمت ولكني أبدو كذلك!

فهو الآخر ينام وكأنه ميت لا صوت ولا حركة، ثم أنه شاحب يخيل لمن يراه أنه مات!