حتى لو تجددت «الهدنة».. التصعيد سيستمر لوأد العملية السلمية!

TT

اليوم الخميس تنتهي فترة ستة شهور «الهدنة» بين إسرائيل وحركة «حماس»، واليوم يتضح ما إذا كانت ستتجدد هذه الهدنة أم لا والمعروف ان الأسابيع الأخيرة شهدت توتيراً في غزة وفي الضفة الغربية سادت قناعة بأنه يأتي في إطار حسابات الانتخابات الإسرائيلية التي تقرر إجراؤها في فبراير (شباط) المقبل، فالذين صعَّدوا في «القطاع» صعَّدوا بتوجيهات مباشرة من طهران والهدف هو حشد كل عوامل إنجاح اليمين الإسرائيلي والليكود وبنيامين نتنياهو في هذه الانتخابات وكذلك فإن المستوطنين الذين صعَّدوا في الخليل وفي نابلس وفي بعض مدن «الضفة» الأخرى كان هدفهم هو الهدف ذاته الذي غايته في النهاية تعطيل العملية السلمية والإبقاء عليها تدور في حلقة مفرغة.

لأن إيران تخشى من ان تحقيق السلام على مسار القضية الفلسطينية سيؤدي إن هو تم بدون مشاركتها الى عزلها والى سحب ورقة هامة من يدها، بقيت تعمل على تعزيزها منذ العام 1995، فقد لجأت، وقد أصبحت الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب، الى دفع بعض التنظيمات والفصائل التابعة لها الى ذلك التصعيد الذي شهدته جبهات غزة لتأتي نتائج هذه الانتخابات لمصلحة اليمين الإسرائيلي الذي تلتقي معه ويلتقي معها عند نقطة تعطيل عملية السلام مع ان لكل من الطرفين حساباته الخاصة.

إن هذا هو واقع الحال، ولذلك فإن حصار غزة بالإمكان إنهاؤه في اللحظة التي تُقرِّرُ فيها إيران وبالتالي تقرر فيها التنظيمات والفصائل التابعة لها وأولها حركة «حماس» وقف عبث إطلاق الصواريخ الدخانية الكاذبة التي تشبه الألعاب النارية في الأعياد والأعراس والمناسبات والتي لا هدف للاستمرار بإطلاقها، رغم ان هناك هذه الهدنة التي من المقرر ان تنتهي اليوم، إلا إحراج حكومة تحالف حزب «كاديما» وحزب «العمل» ودعم حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو الذي إن هو كسب الانتخابات المقبلة فإنه سيضع عملية السلام في ثلاجة التجميد وسيجعلها تبقى تدور في حلقة مفرغة لعدة أعوام مقبلة .

بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل ستدخل هذه المنطقة، مع انتقال الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما وإدارته الى البيت الأبيض، مرحلة من المنتظر ان يشتد فيها الاستقطاب وتشتد خلالها عمليات التقارب والتباعد بين اللاعبين الثلاثة في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، والمعروف ان أكثر ما يخيف طهران هو ان يتفق الأميركيون والإسرائيليون في حال فوز تحالف «كاديما» وحزب «العمل» في الانتخابات المقبلة على إعطاء فرصة جدية جديدة لإنجاح عملية السلام على المسار الفلسطيني.

هناك تطلعات لإيران في هذه المنطقة باتت معروفة ومعلنة ولم تعد خافية إلا على الذين يضعون أيديهم فوق عيونهم حتى لا يروا الحقائق، وهذه الأهداف هي التي ستحدد مدى اقتراب الإيرانيين من الإدارة الأميركية الجديدة أو ابتعادهم عنها والمقصود هنا هو الدور القيادي الذي ترى طهران أنها الأحق به في هذه المنطقة والذي أكثر ما يزعج الإسرائيليين ويخيفهم ان يضطر باراك أوباما الى التسليم به بدون الأخذ بعين الاعتبار ان إسرائيل كانت سعت لمثل هذا الدور من خلال فكرة «الشرق الأوسط الجديد» المعروفة وأنها لا تزال تسعى إليه .

لا يمكن ان تسمح إسرائيل للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما ان يلعب لعبته الخاصة مع الإيرانيين من وراء ظهرها وبدون ان يكون هناك على الأقل تقاسم وظيفي في الشرق الأوسط بين هذه الأطراف الثلاثة، فإسرائيل عامل رئيسي ومؤثر في هذه المنطقة وهي كانت، عندما كان إسحق رابين رئيساً لوزرائها في بدايات تسعينات القرن الماضي، قد اعتبرت أن إيران غدت هي الخطر الذي يتهددها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد ان بات في حكم المؤكد ان العراق بعد مغامرة غزو الكويت قد أصبح مشطوباً وبصورة نهائية من المعادلة الشرق أوسطية .

كان إسحق رابين، الذي نظَّر لوجهة نظره هذه فيلسوف حزب العمل في ذلك الحين شمعون بيريز، قد حاول كسب الإسرائيليين الى جانب عملية السلام من خلال تضخيم الخطر الإيراني على مستقبلهم كدولة وككيان، وهو كان قد بذل جهوداً مضنية لإقناعهم بأنه لمواجهة هذا الخطر الداهم فإنه لا بد من اغتنام الفرصة التي غدت سانحة للقبول بالمساومة التاريخية وإبرام معاهدة سلام مع الفلسطينيين والعرب تؤسس لشرق أوسط جديد يكون محصنّاً ضد التأثيرات الإيرانية .

والمعروف ان إسرائيل خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران لجأت حتى الى تزويد الإيرانيين بالأسلحة التي يريدونها لضمان عدم انتصار صدام حسين عليهم وأنها حاولت، وقد أفلحت في محاولاتها تلك، في إيجاد قنوات اتصال بين نظام الجمهورية الإسلامية وواشنطن وكانت حجتها أنه إذا انتصرت بغداد في هذه الحرب فإن هذا سيكون مقتلاً للدولة الإسرائيلية وأنه إذا انهارت ثورة الإمام الخميني فإن البديل لن يكون بقايا جماعات الشاه السابق محمد رضا بهلوي بل الشيوعيين والقوميون اليساريون الذين إنْ استولوا على الحكم فإن هذه الدولة الهامة التي تتحكم بخطوط تصدير النفط عبر مياه الخليج سوف تصبح جزءاً من المنظومة السوفياتية.

لقد شهدت تلك الفترة الحاسمة لقاءات تم كشف النقاب عنها لاحقاً بين بعض كبار المعممين من نظام جمهورية الإمام الخميني الإسلامية وبين بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين وإن هذه اللقاءات بقيت مستمرة ومتواصلة الى ان سقط الرقم العراقي من المعادلة الإقليمية وانعقد مؤتمر مدريد الشهير وانطلقت عملية السلام.. عندها تغيرت الاتجاهات حيث رفع إسحق رابين شعار ان إيران باتت تشكل الخطر الذي كانت تشكله العراق على الدولة الإسرائيلية وحيث اتجه الإيرانيون وللمرة الأولى جديّاً نحو القضية الفلسطينية وباشروا بدءاً بالعام 1995 بتقديم دعم سخي لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والهدف الأساسي هو إفشال اتفاقيات أوسلو وقطع الطريق على العملية السلمية .

والحقيقة، وهذا يعرفه الإيرانيون ويعترفون به، ان نظام جمهورية الخميني الإسلامية قد التقى عند هذا الهدف مع «الليكود» واليمين الإسرائيلي وأنَّ بنيامين نتنياهو، الذي جاء الى السلطة بعد اغتيال إسحق رابين، وبعد فشل شمعون بيريز في انتخابات عام 1996، قد بادر فوراً الى تنشيط خطوط الاتصال السابقة مع طهران وكان مستشاروه على هذا الصعيد ومعظمهم من أصولٍ يهودية إيرانية يرون ان النظام الإيراني آيل الى السقوط والانهيار وأنه لا بد من المراهنة على التيارات الليبرالية والمعتدلة في هذا النظام التي إن هي تسلمت مقاليد الأمور وسيطرت على الحكم فإن العلاقات بين إيران وإسرائيل ستعود حتماً الى ما كانت عليه في عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي .

لكن هذا التناغم الذي وصل حدود التقارب في بعض الأحيان ما لبث ان دخل مرحلة جمود بقيت مستمرة حتى الآن بعد ان خسر بنيامين نتنياهو وحزبه الانتخابات اللاحقة، لكن ورغم ذلك فإن العمل ضد عملية السلام، إن من جانب اليمين الإسرائيلي وإن من جانب إيران، لم يتوقف ولو للحظة واحدة، وهكذا فقد دخلت هذه العملية ما يمكن تسميته مرحلة عنق الزجاجة رغم مفاوضات ولقاءات السنة الماضية بين إيهود أولمرت ومحمود عباس.. والآن وقد اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية فإن هدف اللجوء الى التصعيد والتوتير حتى وإن تجددت الهدنة التي تنتهي اليوم هو السعي للتأثير على هذه الانتخابات وضمان فوز «الليكود» وبنيامين نتنياهو لإرباك عملية السلام ووضع الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما أمام واقع جديد لا يستطيع إزاءه ان يفعل بالنسبة لمعضلة الشرق الأوسط أكثر مما فعله سلفه جورج بوش .

يجب عدم استغراب هذا على الإطلاق، فالسياسة لا تعرف المحرمات فعدوَّ عدوي هو صديقي، وحقيقة ان إيران في عهد نظام ثورة الإمام الخميني بقيت وفية للتطلعات القومية الإيرانية التي كانت سائدة في عهد نظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي ولذلك فإنها وفي ذروة صراخها الجهادي من أجل فلسطين بقيت تحافظ على قنوات اتصالٍ سرية مع إسرائيل وبخاصة خلال أعوام حرب الخليج الأولى الثمانية ولذلك أيضاً فإنها الآن تبذل كل جهود ممكنة من خلال رفع درجة التصعيد في غزة كلما اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة لضمان فوز اليمين الإسرائيلي في هذه الانتخابات ولتحقيق الهدف المشترك الذي هو تدمير عملية السلام وتوجيه ضربة قاضية إليها.