صوت لصالح السيناتورة كارولين

TT

فيما يخص مسألة نيل كارولين كينيدي عضوية مجلس الشيوخ، يقول عقلي: لا، بينما يجيب قلبي: نعم! نعم! وبالنظر إلى علامات التعجب السابقة، فإن قلبي يفوز. فيما تعلق بصوت العقل، يخالجني دوماً شعور بعدم الارتياح إزاء اتباع الأبناء نفس النهج المهني لآبائهم، وذلك لاعتقادي أن ذلك الأمر ينم عن سعي مفرط لإرضاء أشخاص بعينهم، ناهيك من الافتقار إلى الخيال والابتكار. ورغم أن تاريخ الولايات المتحدة تشيع به ظاهرة امتهان أسر بأكملها للعمل في الحقل السياسي، فإنني لا أحبذ مثل هذه العائلات السياسية. وينبع شعوري هذا من أسباب عدة، أولها: أن العائلات السياسية تميل للانتقال نحو الأدنى، بمعنى أنه من النادر أن يتفوق الجيل الثاني في أدائه على الأول. وتعد عائلة كينيدي ذاتها مثالاً جيداً في هذا الصدد ـ رغم أن كارولين كينيدي من الممكن أن تشكل استثناءً لهذه القاعدة، بالنظر إلى سجلها السياسي المبهر.

ثانياً، والأكثر خطورة، أن فكرة العائلات السياسية تتعارض في جوهرها مع القيم الأميركية، ذلك أن الولايات المتحدة ليست ـ أو ليس من المفترض أن تشكل ـ بلاداً تتحول فيها السلطة السياسية إلى سلعة يجري توارثها، مما يتعارض مع قيم نظام الحكم بالاستحقاق. لكن في أي حال، فإنه حتى أبناء السياسيين عادة ما يمضون الوقت في تسلق سلم المناصب المعتاد، وليس الصعود فجأة إلى المناصب العليا. بيد أنه على الجانب الآخر، وفي الوقت ذاته، من السخف الاعتقاد بأن جميع أعضاء مجلس الشيوخ أو أي شخص آخر تولى منصبا رفيعا تكبد الرسوم السياسية اللازمة للوصول لهذا المنصب. ولنا الآن أن نتخيل كيف تشعر هيلاري كلينتون حيال هذا الأمر، فبعد كل هذا المجهود، وكل تلك السنوات، لم تخسر الترشح الرئاسي لصالح باراك أوباما فحسب، وإنما أيضاً ربما تضطر للتنازل عن مقعدها داخل مجلس الشيوخ للمرأة التي خرجت فجأة من هامش المشهد السياسي لتمنح أوباما مباركة آل كينيدي. إلا أن ما يجذبني نحو فكرة نيل كارولين عضوية مجلس الشيوخ شعوري بأنها جزء من قصة خرافية حديثة أشبه بقصص الجان، ذلك أنه مثل الكثير من النساء في مثل عمري ـ والملاحظ أنني أصغر كارولين ببضعة شهور ـ شكلت كارولين دوماً جزءاً من وعيي وإدراكي، فهي الفتاة المحظوظة التي تتمتع بأب بالغ الوسامة، وهي الفتاة شديدة الجلد التي أمسكت بيد والدتها أثناء جنازة والدها، وهي أيضاً الفتاة المحصنة التي عمدت أمها لحملها بعيداً عن البلاد التي كانت لا تزال تأن من فاجعة مقتل أبيها، في محاولة لحمايتها من الأعين المتربصة بها.

في إطار هذه القصة الخيالية، تمثل كارولين أميرتنا المأساوية. ومع أنها ليست محبوسة في برج شاهق بعيد، فقد اختارت بمحض إرادتها الإبقاء على نفسها هناك معظم الوقت. وتوفيت والدتها في سن صغيرة هي الأخرى، بينما لقي أخوها مصرعه في حادث تحطم طائرة، أسفر أيضاً عن مقتل زوجته وشقيقتها. وبذلك، فإنها الناجية الوحيدة على قيد الحياة من أسرتها الصغيرة. إلا أنه بإعلانها أن أوباما أول مرشح رئاسي يتمتع بروح الإلهام التي تميز بها والدها، اختارت كارولين بذلك الخروجَ من العزلة التي فرضتها على نفسها بعيداً عن صخب المشهد السياسي.

أدرك تماماً أن التفكير على هذا النحو يحمل قدراً مفرطاً من العاطفة الساذجة، لكن كم ستكون هذه القصة الخيالية جميلة عندما نختتمها بأن تكبر الأميرة الصغيرة لتصبح سيناتورة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»