الصحافة أهم من مستشاريك يا فخامة الرئيس

TT

يبدو أن باراك أوباما يواجه كابوسا مريعا يعاوده بين الفينة والأخرى. يحلم أنه رئيس للولايات المتحدة، أي أقوى رجل في العالم، ولكنه لا يستطيع القضاء على مشكلة أقضت مضاجع جميع الرؤساء. إنها الفقاعة التي يمكنها ابتلاع مدة رئاسية، إذ تعزل المسؤول التنفيذي عن الأخبار التي يجب أن يعرفها وعن الآراء التي يجب أن يسمع لها، وتجعله يمضي يومه بين همهمات رجال لا يعرفون قول لا. وهذه هي السيمفونية التي عزفت لجورج بوش، وهو يعامل كمسخة في العراق.

دائما ما يذكر أوباما لفظة الفقاعة، فقد أخبر باربرا ولترز، من «إيه بي سي» الشهر الماضي بقوله: «تلك هي المشكلة، أحد الأمور التي يتعين عليّ التعامل معها هو كيف يمكن معالجة العزلة، تلك الفقاعة التي تحيط بالرئيس».

ويعلم أوباما أن داخل «الفقاعة» خطرا أكبر، وهو اتخاذ القرار بصورة جماعية. وقد استخدم أوباما نفسه تعبيرا يعود إلى الروائي الشهير جورج أورويل، حيث قال الشهر الحالي: «أحد المخاطر في البيت الأبيض، اعتمادا على قراءتي للتاريخ، هو أنك محصور في طريقة جماعية لاتخاذ القرار، يوافق كل شخص على كل شيء، وليست هناك مناقشات، ولا معارضة».

وقد ذكَّر مايكل بوسكين، الذي كان مساعدا في البيت الأبيض للرئيس بوش الأب، في مقال نشر بصحيفة «نيويورك تايمز» بما يفكر فيه أوباما تماما، حيث اصطحب بوسكين رجال أعمال بارزين إلى المكتب البيضاوي لتحذير جورج بوش الأب من توقعات اقتصادية مظلمة، ولكنهم قضوا الوقت في الإطراء على الرئيس والطريقة التي تعامل بها خلال حرب الخليج الثانية.

كما يمكن النظر إلى ما كتبه لورانس دي ريتا في صحيفة «واشنطن بوست» أخيرا، إذ قال ريتا، الذي كان مساعدا في البنتاغون (2001 ـ 2006)، إنه مع أن الجنرال إريك شينسكي قال للكونغرس إن احتلال العراق سيتطلب «مئات الآلاف من الجنود»، فإنه لم يقل هذا الأمر يوما إلى الرئيس بوش (الابن). وتشير الكتابات المجمّعة لبوب وودورد لنفس القضية، ففي خط النيران يكون القادة العسكريون رجالا شجعان، ولكن في البيت الأبيض دائما يؤدون التحية، ثم يفقدوا قدراتهم على التفكير.

ولسبب غريب نوعا ما، ما زال أوباما يحافظ على جهاز «بلاكبيري» الخاص به على أمل الخروج من الفقاعة، لكن «البلاكبيري» لن يسعفه. قد يكون جهاز «بلاكبيري» مهما بالنسبة لرسائل البريد الإلكتروني، ولكنه لا يختلف عن المساعدين. وسيكون له نفس قدر الصراحة الذي يميز هؤلاء الموجودين على الجانب الآخر. سوف يكذب جهاز «بلاكبيري».

ولكنْ، ثمة علاج، إنها الصحف، التي يُنظر إليها ـ إلى حد ما ـ على أنها عتيقة وغير ملائمة للاستخدام حاليا، ولكنها سوف تنقل أخبارا إلى الرئيس لا يريد هو سماعها، فالصحف لا تضعه في الاعتبار، حين تعد قصصها، ولم تؤسس من أجل إرضائه، ولا تسعى من أجل منصب، كما أن الصحف تعطي الرئيس خيارات سياسية أكثر مما يقدمه له مساعدوه، وتوفر له المزيد من الأخبار. في عام 1956، أجاب الرئيس دوايت أيزنهاور على سؤال في مؤتمر صحافي قائلا: «إنكم تقولون لي أشياء عن إدارتي لم أسمعها من قبل».. هذا ما تقوم به الصحف.

ليست ثمة فائدة كبرى ترجى من جهاز الـ«بلاكبيري»، فأنت لا تستطيع تناول وجبة إفطار مع عائلتك حول جهاز «بلاكبيري»، ولكن مع صحيفة رصينة يمكن للرئيس أن يقرأ الجزء الخاص بقسم الأخبار الجادة، ويمكن لزوجة الرئيس قراءة الجزء الآخر من الصحيفة ذي الأخبار المنوعة، ويمكن للأطفال الضحك وهم يتصفحون قسم الكاريكاتير. وكما هو الحال في الأفلام القديمة، يمكن للأب أن يوضح بعض الأشياء، مثل ما الهدف من الناتو، (وإن كنت أنا نفسي لا أعرف ما الهدف منه). بعض الصحف لا يوجد بها قسم للرسوم الكاريكاتيرية، لكن يوجد بها صفحات رياضية وتغطية اقتصادية.

كما أن الصحف الجيدة تكون مستودعا للتسريبات. نعم، الرؤساء لا يكترثون للتسريبات، ولكن مثل الدواء غير طيب المذاق، تكون التسريبات مفيدة للرؤساء، فهي طريقة جيدة يمكن من خلالها لأحد أقسام الحكومة الاتصال بقسم آخر، حيث لا يستطيع مساعد وزير ما أن يلتقط سماعة الهاتف ويتصل بالرئيس، كما أن وزيره لن يسمح له بذلك، حيث قد يمنع هذا الوزير شيئا يجب أن يعلمه الرئيس، وتلك هي فائدة التسريبات. يقوم الشخص بتسريب المعلومات إلى الصحيفة، ويقرأها الرئيس وهو يتناول الإفطار، ولا يمكن حدوث شيء مثل هذا مع جهاز «بلاكبيري».

أفهم كيف أنه يمكن أن ينظر إلى هذا المقال على أنه يخدم المصلحة الشخصية، وهو كذلك بالفعل، فصناعة الصحف تعاني كثيرا، حيث يحاصرها الإنترنت، وتعاني من ويلات اقتصاد مترد، ويزدريها المتعجلون واصفين إياها بالبطء وأنها تحتاج إلى جهد كبير. وأقر أيضا أنه في بعض الأحيان تكون الصحف مخطئة، وتعاني أحيانا أخرى، كما حدث إبان الاستعداد للحرب، من نوع من الموت الدماغي بصورة لا يمكن التجاوز عنها، ولكني تعلمت كصحافي عايش الصحف، أن الصحيفة يمكن في بعض الأحيان أن تقوم بما لا يقوم به جهاز «بلاكبيري»، حيث يمكنها أن تفقأ الفقاعة.

أنا مستعد لتلقي اشتراكاتكم.

* خدمـة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»