الحرب على الإرهاب تنتقل شرقا

TT

في حديث أدلى به مؤخرا لأحدى الصحف الفرنسية، وصف الرئيس الباكستاني آصف زرداري، باكستان بأنها «الرجل المريض» في آسيا. وهذا الوصف سبق للدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، ان اطلقته على السلطنة العثمانية، التي كانت قد دخلت حقبة التفكك والتراجع التي انتهت بزوالها مع الحرب العالمية الاولى، بعد خمسة قرون من العز والسؤدد، والهيمنة على مصائر شعوب وبلدان ممتدة من البحر المتوسط الى اواسط آسيا. باكستان ليست امبراطورية، وباستثناء مشكلة كشمير، المتنازع عليها مع الهند، ليست مهددة من جاراتها (الصين، افغانستان، ايران) بأطماع جغرافية، كما كانت السلطنة العثمانية. ولكن مشكلة باكستان، منذ نشوئها، هي في انها لم تعرف الاستقرار السياسي. بل حكمها العسكريون، اكثر مما حكمها سياسيون مدنيون. خلافا للهند التي يعترف لها كل العالم (والرئيس زرداري، في حديثه الأخير) بأن الحكم فيها ديموقراطي. ويكفي للحكم على ديموقراطيته، ان مائة مليون مسلم يعيشون بسلام مع 900 مليون هندوسي، وأن رئيسين للجمهورية في الهند، بعد استقلالها، كانا مسلمين. غير أن ما يبدو شاغلا لبال الرئيس الباكستاني، اكثر من الخلاف مع الهند، الذي دفع بالبلدين الى التجابه عسكريا اكثر من مرة، هو «خطر الارهاب الذي يتأكل البلاد كالسرطان»، حسب قوله، والذي لا بد من التعاون بين كل بلدان العالم للتغلب عليه. وهو يقصد، بطبيعة الحال، الجماعات التي ارتكبت عملية «مونباي» مؤخرا، والجماعات المتطرفة التي تستنزف قواته العسكرية على الحدود الافغانية ـ الباكستانية، وباتت تشكل اليوم، مع طالبان وتنظيم «القاعدة»، المركز الرئيسي لما يسمى بالارهاب العالمي الاسلاموي.

ما قاله الرئيس الباكستاني عن ضرورة تعاون الغرب الاميركي والاوروبي، وكل دول العالم، مع باكستان وكل دولة يهددها الارهاب للقضاء على جماعاته، ليس جديدا. ولا قوله ان القوة والقمع وحدهما لا يكفيان للقضاء على الارهاب. ولا حديثه عن انجذاب الاجيال المسلمة الطالعة نحو هذا «الانحراف الجهادي»، بعد ان عجزت معظم الأنظمة الحاكمة في العالم الاسلامي، حتى اليوم، عن تحقيق كل اماني شعوبها وحل كل مشاكلها. وان هذه الجماعات المتطرفة الارهابية نجحت في اشعال «حرب الحضارات»، عن طريق السلبية والعنف.

كل هذا قيل وتكرر منذ 11 سبتمبر 2001. ولكن الجديد هو ان الحرب على الارهاب، انتقلت شرقا باتجاه باكستان، عبر افغانستان والطالبان والجماعات الدينية الجهادية المتطرفة التي نمت وانتشرت في باكستان، بنوع خاص. ولقد اعترفت الدول الكبرى بهذا التحول الجديد في الحرب على الارهاب. لا سيما وأن وصول الجماعات المتطرفة الى الحكم في باكستان، الحائزة على السلاح النووي، يشكل، في نظر الدول الكبرى، خطرا يعادل بل يفوق خطر توصل ايران الى صنع السلاح النووي.

ان الولايات المتحدة تستعد للانسحاب من العراق، ولكنها لن تنسحب من افغانستان، طالما ان خطر عودة الطالبان الى كابول وارد. ولكن الخطر الحقيقي الذي تتخوف منه الولايات المتحدة، هو مستقبل الحكم في باكستان، وقدرة هذا الحكم، مدنيا كان أم عسكريا، على تصفية الجماعات الاسلاموية المتطرفة وقوات طالبان، المتحالفة معها، والناشطة على الحدود الباكستانية ـ الافغانية. لا مغالاة في القول بأن مصير العالم يلعب اليوم، في اواسط آسيا. وتحديدا في مثلث افغانستان ـ باكستان ـ ايران. ومما يزيد من خطورة الصراعات والنزاعات الدائرة هناك، ان الامر لا يقتصر على الحرب على الارهاب فقط، ولا يؤثر او يتأثر باستراتيجية الولايات المتحدة والغرب، الموجودين عسكريا في هذه المنطقة فحسب، بل يتصل ايضا، ومباشرة بدول كبرى ثلاث اخرى، هي:الصين والهند وروسيا.

ان الادارة الاميركية الجديدة، كما يؤكد المراقبون، سوف تتبع في مقاربة مشكلة الارهاب ونزاعات دول آسيا الوسطى، والنزاع العربي ـ الاسرائيلي، عقلية جديدة واسلوبا جديد. وربما ينجح الرئيس الاميركي الجديد في تحقيق اختراقات مهمة في جدران «المواجهة الاميركية ـ الاسلامية»، الممتدة من العراق الى باكستان، وربما ابعد. ولكن الملعب الاهم للسنوات المقبلة، سيكون في باكستان. ولا بد من تعاون كل الدول الكبرى، لانتشال باكستان من المأزق السياسي ـ الاقتصادي، الذي يتخبط فيه منذ قيام الدولة الباكستانية، في عهود العسكر والمدنيين، قبل وبعد امتلاك السلاح النووي. وبديهي ان يكون للهند والصين، بصفتهما جارتين، دور مميز. وان يكون من اهم مفاتيح هذه القضية، حل مشكلة كشمير، وحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي.

ان العملية الارهابية الاخيرة في الهند، انما كانت الغاية المباشرة منها، اشعال القتال بين باكستان والهند، مما سيؤدي الى سحب القوات الباكستانية من منطقة الحدود الباكستانية ـ الافغانية، وبالتالي الى تخفيف الضغط على طالبان والجماعات الاسلامية هناك. ولذلك سارعت الولايات المتحدة الى التوسط بين اسلام اباد ودلهي، للحؤول دون تصادمهما.

ولكن طالما ان قضية كشمير لم تحل، وان المعركة الحاسمة في الحرب على الارهاب انتقلت الى الحدود الباكستانية ـ الافغانية، فإن مصير السلام في آسيا وربما في العالم، بات مرهونا، للسنوات القادمة، بما يجري في باكستان وعلى حدودها.