عصف الإعلام المناوئ.. وهن الإعلام الكوردي

TT

يمثل الإعلام الشريان الذي يوصل الأفكار والآراء والمعلومات المتباينة إلى الناس، ليتمكنوا من اجراء مقاربات ومقارنات لكشف الحقائق، وفك شفرات الوقائع وقراءة ما بين السطور، للاقتراب من الحقائق، كما انه يسهم بشكل فعال في تكوين اتجاهات وصياغة الرأي العام، لذلك أولت الكثير من الدول المتحضرة اهتماما واسعا بهذا المجال وكرست له امكانات ضخمة، ولاسيما في خضم التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية. كما باتت الحروب الإعلامية تسبق أية حرب تخوضها الدول، سواء كانت مضطرة أو لتسويغ وشرعنة ما اقدمت عليه عبر توفير قناعات للآخرين، ومصداق ذلك الحملة الإعلامية التي شنها النظام الشمولي إبان غزوه للكويت.

ومن جانب آخر ظلت الكثير من الحكومات إما بسبب نظمها الدكتاتورية أو ضعفها المادي أو جهلها لدور وأهمية وسائل الإعلام لا تبدي اهتماما كثيرا بها فعلى سبيل المثال ـ كان النظام العراقي لا يملك سوى محطتين تلفزيونيتين ينتهي بثهما الساعة الثانية عشرة ليلاً، وبضع صحف ومجلات لا تتعدى أصابع اليد، وجميعها مكرسة لخدمة النظام والتسبيح بحمد القائد، إلى جانب منع النظام الصحون اللاقطة واستعمال الانترنت، حينها اصبح العراق منفصلا عن العالم الخارجي، فاذا كان هذا هو حال الإعلام المركزي في بغداد، فما بالنا بالإعلام الكوردي، الذي حرم من أبسط حقوقه عبر التاريخ للتعبير عن رأيه والدفاع عن وجوده وحقه في العيش الكريم، فكان محرما عليه حتى اطلاق الأناشيد القومية أو الاستماع اليها، اذ كانت عقوبة الاستماع هي الاعدام، والصحف التي تنشر باللغة الكوردية لم تكن سوى نسخ مستنسخة عن الصحف العربية تكتبها أقلام مأجورة ناكرة لقوميتها، وبهذا طوق الكورد بعزلة تامة حتى بات المواطن الكوردي مغيبا عما يجري له وحوله، ومورس التضليل الاعلامي ضده انسجاما مع سياسة التجهيل والتهميش والاقصاء للشعب الكوردي، التي ينتهجها النظام السابق، فحين تم تدمير أكثر من خمسة آلاف قرية كوردية، وتهجير ساكنيها وتشريدهم وقتل أكثر من ثمانية آلاف بارزاني لا لذنب ارتكبوه سوى كونهم بارزانيين ينتمون إلى التعاليم البارزانية، التي كان يؤمن بها الأب الروحي للكورد ملا مصطفى بارزاني.

وازاء جميع هذه الجرائم صمتت وسائل الاعلام العربية وحتى العالمية، ولم تنقل الوقائع وحقيقة معاناتهم أمام الرأي العام العالمي، حتى في أبشع جرائم الإبادة البشرية التي مورست ضد الكورد، فعندما قصفت مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، تناولت اذاعة لندن وصوت اميركا ومونت كارلو، الخبر بشكل مقتضب وبأسلوب خبيث، اذ حاولت جر المتلقي لدوائر ضبابية، هي ما المنشأ للمواد المستخدمة في الضربة؟ فإذاعة صوت اميركا اشارت أو لمحت الى ان العوامل المستخدمة في الضربة، هي اميركية الصنع والمعروف ان ايران كان تسليحها اميركيا، ليبقى المستمع أسير دوائر التهويم والتضليل، من دون التفكير ببشاعة الجريمة وقتل الاطفال والنساء والشيوخ والتشوهات الخلقية التي ستصيب الولادات ناهيك من الجروح والحروق والعمى الذي اصابهم فضلا عن تدمير حيواناتهم واراضيهم الزراعية، والجميع يعرف أن علي حسن المجيد (علي كيمياوي) هو من نفذ الضربة. وفي اثناء حرب تحرير الكويت خرجت علينا الافلام لترسم بشاعة الجريمة في حلبجة التي اقترفها النظام، وكأنها وقعت توا! الا ان الإعلام الكوردي ظل راكدا، ولم يستطع الارتقاء بما يتوازى مع طموحات الشعب الكوردي، إذ شأنه شأن المؤسسات الأخرى تسلل اليه الفساد وأبعد المثقفون وأصحاب الكفاءات من على الواجهة، وحل من يجيد فن التزلف والتقرب، فضلا عن المحسوبية والمنسوبية ما أدى إلى اضعافه على الرغم من فضاءات حرية الرأي والتعبير المتاحة ولاسيما لوسائل الاعلام كافة في كوردستان ودعم الرئيس (مسعود برزاني) له ويلاحظ ذلك من خلال رفضه التوقيع على قانون الصحفيين المعد من برلمان كوردستان، ومن ثم وقع عليه بعد تصحيحه لذا على الحكومة الكوردية أن تسارع في البدء بخطوات بناءة وسريعة لتدارك الموقف، لأن ثمة ظلما اعلاميا كبيرا قد وقع على الكورد، فبدلا من اظهار حقيقة مظلوميتهم الممتدة على مر العصور، أصبح ظالما بنظر البعض نتيجة الضخ الاعلامي العربي المحلي لبعض الفضائيات والصحف العراقية وبمساندة اعلامية من قبل الاعلام العربي بكيل التهم والافتراءات المجانية، التي لا صحة لها ولا تمت للحقيقة بصلة ولا تتماشى وتتوافق مع طبيعة الشعب الكوردي المسالم المتحضر الديمقراطي، فلولا ضعف أداء الفضائيات الكوردية والاعلام الكوردي بصورة عامة، ولاسيما الموجه باللغة العربية إلى العالم العربي لما حصل هذا التشويه واظهار الشعب الكوردستاني كأنه يسعى ويخطط للانفصال عن العراق ومحاولته جني المكاسب ومتربص لرفع سقف المطاليب باستمرار، وتحويل اي حدث او فعل بالضد من توجهات وتطلعات الشعب الكوردي، ففي المظاهرة العفوية التي خرجت في كركوك للمطالبة بتنفذ المادة الدستورية 140 صب الاعلام العراقي والعربي جام غضبه على الكورد، من دون الحديث عن الجريمة التي نفذها الإرهابيون، وراح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى، وهذه الوسائل والاساليب ليست بالجديدة على الكورد ولا على العراقيين.. وآثارها معروفة النتائج ولا تحتاج لذكاء شديد اذ دفع العرب والكورد فاتورتها بالكثير من الشهداء والثكالى والأرامل والأيتام والمعاقين، أرقاما رهيبة، وبعد الذي سقناه، فعلى المعنيين بالامر تفعيل دور الجاليات الكوردية في الخارج، لايصال الصوت الكوردي إلى أبعد نقطة في العالم، والتثقيف بأن الشعب الكوردي يستحق التقدير وهو محب للسلام والتعايش السلمي واحترام الآخر والمختلف، وانه يتمتع بثقافة وتاريخ يؤكد ذلك، ولإنجاح هذه المهمة تستدعي الضرورة فتح مكاتب اعلامية في الدول العربية، للرد على الاتهامات وتغطية الآراء والأخبار السياسية المتعلقة بالشأن الكوردي، وتوجهات حكومة الاقليم، عن طريق زيادة عدد الفضائيات والاذاعات، ولاسيما الناطقة باللغة العربية، وفتح مواقع كوردية على شبكة الانترنيت، شريطة ان يتم ذلك تحت اشراف أناس أكفاء وذوي ماض نظيف، واصحاب ابداعات، بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية.

* أكاديمية من كردستان العراق