الربط.. يعقد ولا يحل

TT

بانتظار ما ستكشفه المائة يوم الاولى من ولاية الرئيس الاميركي المنتخب، باراك أوباما، تكثر توقعات المحللين والمراقبين لدبلوماسيته المرجحة حيال المناطق الساخنة في العالم، وخصوصا في الشرق الأوسط.

صحيفة «هاآرتس» الاسرائيلية ـ المطلعة عادة ـ عززت توقعاتها بالاستناد إلى «تقارير» قالت إن اسرائيل حصلت عليها مؤخرا، وهذه التقارير تفيد بأن السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الأوسط وفي جنوب شرق آسيا ستشهد «نشاطا».

ونقلت الصحيفة عن «مسؤول اسرائيلي كبير»(لم تكشف عن اسمه) قوله ان هذه المقاربة الجديدة لمشاكل المنطقة تأتي من فهم كل من أوباما وكلينتون ان صراعات الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا «مرتبطة الى حد ما مع البرنامج النووي الايراني والانسحاب من العراق». واستنادا الى المسؤول الاسرائيلي المذكور يرى كل من أوباما وكلينتون «أن من المهم العمل هناك بطرق متوازية ومن خلال قنوات تنسيق في ما بينها لتحقيق انجازات على جميع هذه الجبهات».

كلمة حق ... ولكن ماذا يراد بها؟

لا جدال في ان معظم قضايا العالم الساخنة مرتبطة ببعضها البعض والشرق الأوسط لم يكن يوما جزيرة مقصية عن هذا العالم.

ولكن منطق «الربط» بين النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، من جهة، والبرنامج النووي الايراني والانسحاب الاميركي من العراق، من جهة ثانية ـ إن صح التقرير الاسرائيلي ـ يبدو دعوة لصفقة شرق أوسطية شاملة (Package Deal) قد تمنح الولايات المتحدة فرصة انسحاب عسكري «مشرف» من العراق مقابل «تنازلات» ايرانية محتملة على صعيد البرنامج النووي (إن نجحت واشنطن في مقايضة الورقتين)، ولكنها قطعا لن تقدم قيد أنملة في مساعي التسوية الفلسطينية ـ الاسرائيلية... هذا إذا لم تؤخر استحقاقها.

يصعب إثبات وجود علاقة عضوية أو حتى مبدئية بين النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والمشكلتين العراقية والايرانية، فالمشكلة الفلسطينية «قضية» قائمة بحد ذاتها منذ عام 1948 ـ ان لم يكن منذ وعد بالفور عام 1917ـ تتقدم فيها ضرورات تطبيق مقررات الشرعية الدولية، والاعتبارات الانسانية، على أية حسابات استراتيجية في المنطقة.

إن كان ثمة «رابط مشترك» بين مشكلات الشرق الأوسط فهو قطعا المأزق الاميركي في التعامل معها والناجم أصلا من زجها كلها تحت خانة «الارهاب» الفضفاضة. وإذا صح، افتراضا، إدراج واشنطن لمشكلات أفغانستان وايران وحتى العراق في خانة «الارهاب»، فإن إقحام القضية الفلسطينية في هذا «الترابط» يبدو محاولة اسرائيلية لزج القضية الفلسطينية في «مأزق» الولايات المتحدة في الشرق الأوسط رغم انها مأزق اسرائيلي صرف.

وحتى مع التسليم بدور الولايات المتحدة المحوري في التوصل الى تسوية منصفة للقضية الفلسطينية، لا يمكن تحميل واشنطن وحدها مسؤولية «المأزق» الذي تتحمله حيال المشكلتين العراقية والايرانية.

في العراق يصح في وصف المأزق الاميركي التعبير الانجليزي (self inflicted) فهو مأزق من صنع يديها الاثنتين جنته على نفسها عبر احتلالها لدولة عربية علمانية (بصرف النظر عن اوتوقراطية نظامها) في أسوأ توقيت ممكن أي في أوج حربها على الاصولية الاسلامية وحاجتها الى دعامة دول المنطقة العلمانية الانظمة.

وفي إيران، لم تقصر الولايات المتحدة في «تنشئة» المأزق الايراني: أولا بتخليها عن نظام شاه ايران وفق حسابات خاطئة ومن ثم بإطاحتها بالدولة الاقليمية الوحيدة المستعدة لمواجهة التوسع الايراني في المنطقة(العراق).

مقاربة «الترابط» بين مشكلات الشرق الأوسط قد تكون أمنية تحاول اسرائيل تسويقها للادارة الاميركية الجديدة كون مردودها يتجاوز كسب المزيد من الوقت لاحتلالها للضفة الغربية والجولان الى تحويلها الى أحد محاورها، وربما محاوريها.. فبقدر ما تتشابك مشاكل الشرق الأوسط ببعضها البعض وتتقاطع بقدر ما يتعقد حلها، وبقدر ما تصبح اسرائيل نفسها جزءا من هذا الحل.

دبلوماسية الربط بين القضية الفلسطينية وأية من مشكلات الشرق الأوسط مدخل خطأ لتسوية النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وتجربة العقود الستة المنصرمة كافية لان تقنع إدارة أوباما بأن أي حل لمشاكل الشرق الأوسط، مهما كان «ترابطتها» لا يضمن استقرار المنطقة ـ ولا مصالح الولايات المتحدة نفسها ـ ما لم يبدأ بتسوية مقبولة للمشكلة الام: القضية الفلسطينية.