لماذا يخشى أحمدي نجاد.. خاتمي؟

TT

تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران «مؤامرة دولية شريرة»، وتخطط تلك المؤامرة «لاستبدال الحكم الإسلامي بالعلماني». ويُزعم أن هذا المخطط يتم تدبيره على يد «المجتمع الماسوني السري»، والمعروف باسم «بليدربيرغ غروب»، ويضم أعضاؤه الكثير من أغنى أغنياء العالم، وأكثر رجال الأعمال والساسة قوة وسطوة.

وقد تمت بلورة الشكل النهائي لهذه المؤامرة المزعومة في اجتماع سري للجماعة عُقد في شهر يونيو (حزيران) 1999 بفندق «كاسير بارك» داخل منتجع بنها لونغا البرتغالي. ومن داخل إيران، انضمت الحركة الإصلاحية المزعومة، والتي يتزعمها الرئيس السابق محمد خاتمي، إلى منفذي هذا «المخطط»، حيث كان خاتمي من بين حضور هذا الاجتماع ومعه مساعدته للشؤون البيئية آنذاك والتي تدعى: معصومة ابتكار.

وغالبًا ما يصف واضعو نظريات المؤامرة بليدربيرغ (المحفل الماسوني) المزعوم على أنه «الحكومة السرية للعالم».

وحسبما أفاد تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، تضمن «المخطط» دعم ومؤازرة عبد الكريم سوروش ـ المنتحل للقب الفيلسوف، والصديق السابق التابع لخاتمي ـ على أنه «مارتن لوثر الإسلام»، مع توجيه رسالة مفادها: فصل الدين عن السياسة. كما حاولوا أيضًا «تحويل خاتمي إلى صورة إسلامية من ميخائيل غورباتشوف».

هل هذه قصة طويلة من مخيلة مروجي الإشاعات عبر الإنترنت؟

إنها ليست كذلك على الإطلاق. لقد جاء هذا الزعم في تقرير مطول على وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية، وهي لسان النظام الخميني الرسمي في طهران.

ومن المهم الإشارة إلى هذا الأمر لسببين: أولاً، لأن هذا الزعم صدر عن الجهة الرسمية الناطقة باسم الدولة، وقد أعلنت الجماعات الخمينية والمواقع الإليكترونية عن هذه المزاعم التي أوضحت أن الرئيس السابق للبلاد كان جزءًا ضمن المخططات الخارجية المستهدفة للنظام في عام 2005، أي بعد انتهاء ولاية خاتمي التي دامت لثماني سنوات. ومع ذلك، تعد هذه هي المرة الأولى التي تولي فيها الجهات الرسمية السائدة الناطقة باسم النظام تأكيدًا لتلك المزاعم.

وظهرت هذه الاتهامات للمرة الأولى بين طيات صحيفة «كيهان» الإيرانية واسعة التداول الشعبي والجماهيري، والتي يعيّن علي خامنئي ـ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ـ رئيس تحريرها. ولطالما تم استخدام هذه الصحيفة، التي تعهدت «بالمزيد من عمليات النشر والكشف المثيرة»، كرمز لحملات الاغتيال الموجهة ضد ناقدي النظام، فضلاً عن أن الصحيفة لم تخف سرًا كرهها لخاتمي ومؤيديه «الإصلاحيين» المفترضين. ومع ذلك، فإن طرح هذه المزاعم على وكالة الأنباء الإيرانية يعني أن هذه الحملة أخذت منعطفًا جديدًا تجاه خاتمي.

أما السبب الثاني حول أهمية الإشارة إلى هذه الحلقة، فيشير إلى قوة الصراع المأساوي على السلطة في طهران، إذ بدأت الجماعات الثورية الراديكالية بقيادة الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد في الخشية من الترشيح المحتمل لخاتمي في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال شهر يونيو المقبل.

ومع ذلك، فقبل تناول التبعات السياسية لتلك الحملة، فلنتعامل أولاً مع جوهرها.

وللأمانة، فإنه لا وجود لمثل هذا الاجتماع مع «بليدربيرغ غروب»، أو المحفل الماسوني. فما حدث فعليًا هو اجتماع سنوي خاص للشخصيات المؤثرة ذات النفوذ، والتي جاء أغلبها من أوروبا والولايات المتحدة، وتم تخطيطه لتوليد نوع من النقاشات الحرة إزاء مجموعة من القضايا بدون أجندة عمل محددة مسبقًا، وطبقًا للقوانين المزعومة لتشاتم هاوس، وبموجبها لن تكون هناك أي تقارير تتعلق بمحضر الجلسات، كما لن يتم ذكر أي اسم من أسماء المشاركين بالاجتماع.

يُذكر أن الاجتماع الأول لتلك الجماعة عُقد بفندق بليدربيرغ بالقرب من آرنهم في هولندا عام 1945، وبموجب دعوة من الأمير بيرنهاردت ـ زوج الملكة جوليانا حينذاك. وتم تحديد عدد المدعوين بـ 130، واقتصر الحضور في البداية على الساسة، والأكاديميين، ورجال الأعمال من الدول الأعضاء بمنظمة حلف شمال الأطلسي المعروف اختصارًا بـ«الناتو». ثم تمت توسعة أفق الاجتماع بعد ذلك، وبدأ في دعوة شخصيات بارزة من سائر أنحاء العالم، وذلك وفقًا للدول التي يرد ذكرها في الأخبار. وتم تصميم الدعوات لتضم ممثلَين من كل دولة، أحدهما ليبرالي، والآخر محافظ.

وعلى مدار النصف قرن الماضي، حضر كل شخص تقريبًا يباشر الأعمال، أو السياسات الدولية، هذا الاجتماع ولو لمرة واحدة على الأقل. وبناء عليه، إذا كان هذا الاجتماع السنوي يتم تنظيمه للمتآمرين، فإنه يتعين علينا فعليًا افتراض أن كل النخبة القيادية في العالم تؤلف مخططي المحفل الماسوني. وعلى سبيل المثال، ففي شهر يونيو (حزيران) الماضي، حضرت كل من السيناتور هيلاري كلينتون، والسيناتور باراك أوباما، اجتماع بليدربيرغ إلى جانب أكثر من 60 شخصًا من الرموز السياسية من جميع أنحاء العالم. ومن بداية الستينات حتى عام 1977، حضر عدد من الساسة، والأكاديميين، ورجال الأعمال، أحد أو أكثر تلك التجمعات العالمية، مع العلم أنهم كانوا هناك بصفة شخصية. ومع ذلك، لم تتم دعوة أي إيراني منذ سيطرة الخمينيين على زمام السلطة عام 1979. وأشار استئناف توجيه الدعوات عام 1999 إلى الآمال التي أثارها خاتمي بأن الجمهورية الإسلامية بإمكانها إغلاق المرحلة الثورية، والعودة من جديد إلى الاتجاه السائد كدولة طبيعية.

وأظهرت الحملة التي وجهتها وكالة الأنباء الإيرانية ضد خاتمي أن تلك الآمال تعتبر مبكرة للغاية. وحتى مع افتراض أن خاتمي كان صادقًا في رغبته إزاء تطبيع الدولة الإسلامية، فقد أظهر انتخاب أحمدي نجاد أن غالبية الخمينيين ممن يوفرون قاعدة الدعم الرئيسة للنظام يعارضون هذا التغير.

ومع ذلك لم تنته القضية بعد، فالكثيرون داخل المؤسسة الخمينية يدركون أن غالبية الإيرانيين ضجروا وضاقوا ذرعًا من النظام الخميني، وأنهم يتوقون إلى التطبيع. ومن المحتمل أن تتم المحاربة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ـ المزمع عقدها في شهر يونيو ـ على أساس هذه القضية. كما أن خاتمي تعرض لضغوط مهولة من داخل وخارج إيران للترشح في الانتخابات مجددًا، والوقوف أمام راديكالية أحمدي نجاد برسالة الإصلاح والتحديث.

وتكشف تقارير الوكالة الإخبارية اللثام عن خشية الطوائف الراديكالية من ترشح خاتمي في الانتخابات، فضلاً عن أنها تحاول جاهدة إرهابه من مجرد فكرة ترشيح نفسه في الانتخابات. وهم يفضلون اتهام ناقديهم بالإلحاد، أو العلمانية، أو بالتواطؤ مع المتآمرين الخارجيين، كما نرى في هذه الحالة.

وقد يجدي هذا المخطط مع خاتمي، الذي لم يكن محاربًا من قبل، ولكن حتى إن لم يدخل معترك السباق الانتخابي، فسيبقى التساؤل الرئيس: كيف يتعين على إيران أن تخرج من الطريق المسدود الذي وضعتها فيه آيديولوجية المفلس؟