الخيار المتاح أمام الجيش الباكستاني

TT

إذا كانت هجمات مومباي هي بمثابة 11/9 الهندية، فقد كان الرد الهندي مختلفا ـ إلى حد ما ـ عن رد الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأولى التي تلت الحادث، فقد تركزت معظم النقاشات في الهند على الشأن الداخلي، كافتقار الحكومة إلى الاستعداد وقصور عمل الاستخبارات وضعف الاستجابة للهجوم مما دفع بأعضاء بارزين في الحكومة الهندية إلى الاستقالة. ورغم ظهور أدلة على صلة منفذي الهجمات بجماعة عسكر طيبة الباكستانية المسلحة لكن الحكومة الهندية لم تسرع إلى إعلان الحرب، حتى أن حزب بهاراتيا جاناتا الأصولي المتشدد حث على انتهاج «دبلوماسية قسرية» تدعو المجتمع الدولي لحث باكستان على الوفاء بمعاهدة الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب. وبالرغم من حظر نشاط الجماعة من قبل الحكومة الباكستانية عام 2002 إلا أن حافظ محمد سعيد زعيم الجماعة لا يزال يدير جماعة الدعوة، المؤسسة الخيرية للجماعة، والتي تعد قوة كبيرة ومتنامية في باكستان. والمشكلة مع هذه الجماعة المسلحة في باكستان لا تكمن في صعوبة التوصل إلى أماكنها لكن المشكلة أنها واضحة للجميع، وإلى الآن لا تزال الحكومة الباكستانية غير قادرة على اتخاذ قرار حاسم بشأن التخلي عن ثقافة الجهاد.

عندما نتحدث عن الحكومة الباكستانية يجب أن نكون واضحين، إذ يبدو أن الحكومة المدنية المنتخبة كانت أشبه ما يكون بالمشاهد البريء في هذه اللعبة، إذ شجب الرئيس الباكستاني آصف على زرداري الحادث الإرهابي وعرض المساعدة الكاملة على المحققين الهنود، كما عرض رئيس وزرائه إرسال رئيس الاستخبارات الباكستانية إلى نيودلهي لتقديم المساعدة في التحقيقات، لكن تدخل الجيش بثقله في المسألة أدى إلى سحب العرض. وأضحت تصريحات زرداري أكثر مراوغة ودفاعية. ولذا تصبح الصورة أكثر ضبابية إذا ما تساءلنا عمن يدير دفة الحكم في البلاد. وقال أحد المسؤولين الهنود: «إن تورط الجيش الباكستاني في تفجيرات مومباي لم يتضح بعد، لكننا نعتقد أن المقاتلين تدربوا في أربعة أماكن باكستانية من قبل رجال يحملون ألقابًا مثل كولونيل وميجور كما استخدموا قنوات اتصال تعلمها الاستخبارات الباكستانية، وعلاوة على ذلك، فإن كل تلك الأمور لا يمكن أن تتم دون علم الجيش». والمسؤولون الهنود ليسوا وحدهم من يحملون مثل هذه الشكوك، فيقول ديفيد كيلكولن خبير مكافحة الإرهاب والذي عمل كمستشار للجنرال ديفيد بترايوس: «إن هذه عملية برمائية. فقد كانت بحوزة المهاجمين أجهزة تعطيل للرادارات وشنوا هجمات تضليلية لتشتيت الانتباه عن العملية الرئيسية، وكانوا يعلمون الطرق حول الفنادق وهم مزودون بوسائل اتصال سرية وبطاقات ائتمان وهويات مزورة، ويبدو كما لو أنها قوات خاصة أو عملية انتحارية أكثر منها عملية إرهابية. كما أن الجماعات المرتبطة بالقاعدة أو عسكر طيبة قادرة على شن هجمات بحرية بهذا الحجم من التعقيد». ولكن أيهما سيكون الأسوأ: أن يعلم الجيش الباكستاني بالعملية مسبقًا أم لا يعلم؟ إذ عمل الجيش الباكستاني على مدار عقود طويلة على احتضان الجماعات المسلحة مثل عسكر طيبة وطالبان كاستراتيجية منخفضة التكاليف لإلحاق الضرر بالهند والتأثير في أفغانستان. لكنه الآن يواجه خيارا واحدًا، وإذا لم تغير باكستان طريقة فهمها لمصالحها واستراتيجيتها، فسوف تظل البلاد غير مستقرة وتفتقد المصداقية عند كل جيرانها، حتى أن الصينيين الذين كانوا حلفاء لباكستان منذ أمد طويل بدأ ينتابهم القلق إزاء انتشار الإرهاب الإسلامي. وباكستان في حاجة إلى تبني رؤية مدنية لمصالحها القومية والتي من بينها أن العلاقات الجيدة مع الهند ستؤدي إلى ازدياد حجم التجارة ونمو الاقتصاد وشيوع الاستقرار في أقاليمها. وبالطبع، فإن باكستان في عالم كهذا لن تحتاج إلى جيش يبتلع ربع ميزانية الحكومة ويحكم البلاد حكم الصفوة.

وتعتبر أميركا هي الدولة الوحيدة القادرة دون غيرها على تغيير تلك العقلية الباكستانية العسكرية. وبالنسبة للهند، فإن قصف بعض المعسكرات سوف يكون علاجًا للأعراض وليس أصل المشكلة ولن يزيد إلا من التعاطف مع عسكر طيبة بين الباكستانيين. على الجانب الآخر، لا يرغب العالم من باكستان إلا أن تلحظ بنفسها أن مكانتها بدأت في التقوض نتيجة لتساهلها مع تلك المجموعات الإرهابية. وقد كانت الدبلوماسية الأميركية ـ حتى الآن ـ سريعة وفعالة، لكن الضغط على إسلام آباد يجب أن يستمر وتشترك فيه دول مثل الصين والسعودية أيضا. وقد اقترح باراك أوباما الرئيس الأميركي المنتخب تقديم مساعدات لباكستان تهدف إلى تحديث الدولة.

ومن المتوقع أن تخسر الولايات المتحدة الكثير إذا ما انفرط عقد جنوب آسيا. وإذا ما تصاعد التوتر بين الهند وباكستان فسيؤدي سحب القوات الباكستانية من المناطق القبلية إلى الكثير من الفوضى في أفغانستان وستتحرر أيدي طالبان و«القاعدة»، ولذا يجب على واشنطن أن تدرس تلك النتائج هي الأخرى.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»