عندما ينتهي الحب بالفلسفة

TT

أتاني في بيتي أحد الرجال، فرحبت به وهليت، كنوع من أنواع المجاملة الممزوجة بقليل من الكرم، وأدباً مني سألته: هل تريد يا رعاك الله أن تشرب شاياً أم قهوة ؟! فأتاني رده سريعاً وغير متوقع، عندما سألني هو باحتجاج وغضب واضحين: ماذا تقول؟!، قهوة، قهوة، أعوذ بالله، ألا تعلم يا رجل ان اسم القهوة ما هو إلا اسم من أسماء الخمر؟! مثله مثل اسم الراح والمدام والشمول والصبوح والمشعشعة؟!

رددت عليه وقد اعتراني شيء من الارتباك: معاذ الله يا شيخ أن تدخل هذه الموبقات إلى داري، ولكني منذ صغري سمعتهم يقولون قهوة، فقلتها وشربتها، وما أكثر ما عدلت رأسي بنكهتها، وإنني اصطفي من أنواعها ما اصطلح على تسميتها بـ(القهوة العربية) عندما تكون مخلوطة بشيء من الهيل مع المسمار ـ أي حبة القرنفل ـ، ولا أنسى كذلك قهوة (الاكسبرسو) مع قليل من السكر، بعد عشاء معتبر في مطعم فرنسي يقدم افخر أنواع المآكل والمشارب.

لم يعجبه كلامي معتقداً أنني اهزل وامزح، ومعه الحق لو اعتقد ذلك لأنني بالفعل كنت اهزل وامزح، فالتفت لي ولمحت عِرْق الغضب وقد تورم على جبينه قائلاً لي: يا ليتك تفهم أن بعض الناس يكبون على وجهوههم في نار جهنم يوم القيامة بفعل ألسنتهم وما اقترفته من سوء الكلام.

عند ذلك شكمت نفسي دفعة واحدة، بفعل الخوف الذي داخلني وتلاشى هزلي ومزاحي وبدأت أقدم له الاعتذارات والتأسفات وأعاهده أنني من بعد هذا اليوم لن انطق كلمة (القهوة) هذه بلساني في أي مكان كان.

ومع ذلك كله لم يقبل تأسفي واعتذاري ولم يثق بصدق عهدي، وخرج دون ان يشرب حتى (كباية) شاي ناهيك طبعاً (بالبن المطحون) والمسكوب عليه بعض من الماء المغلي.

* * *

قال عبد الملك بن عمر الليثي: «رأيت رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما بالكوفة في دار الأمارة بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير رضي الله عنهما، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان».

يا لهذا التاريخ (المجيد) الذي يمتلئ بالرؤوس المقطوعة (!!).

وإنني والله لفي عجب للمقدرة الهائلة التي يتمتع بها هذا (الليثي)، فكيف له أن يشاهد هذه الكمية من الرؤوس دون أن يغمى عليه؟!، وإنني شخصياً لو شاهدت أربعة رؤوس مقطوعة لعصافير لطار لبّي وكتبت قصيدة هجاء للحياة.

* * *

«في الحب نبدأ بالبلاغة، وننتهي بالفلسفة»

ـ أما ما بعد (الفلسفة)، فالحكي عنها يطول.

[email protected]