خريطة مواويل ومناديل

TT

أمضينا السهرة في منزل شاعر عربي كبير. واكراما له جاء وديع الصافي واعوامه المديدة وعوده الشجي الوتر. وكانت ايضاً المطربة العراقية شذى، صناجة ام كلثوم وفكروني وفكروني ازاي، هوا انا نسيتك؟ وكان الساهرون ايضاً من جميع بلاد العرب اوطاني. وحزن المغني مثل حزن السامعين. وغنى وديع مواويله فكدنا نبكي على لبنان. اغنية تقول «عمرَّنا لبنان وعليَّنا سياجو» واغنية تقول دمرنا لبنان ووطينا سياجه.

وجاء دور شذى ابنة النهرين فاستأذنت قبل ان تؤدي سلوا قلبي، ان تغني موالا بغدادياً. ولم نعرف ان كانت تبكي او تغني. وادركنا جميعاً ان ثمة حنيناً يملأ هذه الجميلة حزنا وشجنا. كان وديع ايضاً ايام فقدان لبنان لا يبدأ حفلته الا بموال عن البلد المفقود.

ثم غنى نجل وديع الصافي اغنية جديدة عن القدس لشاعر فلسطيني شاب. وشعر الفريق الفلسطيني بالحزن لكن القدس بقيت تحت التراكتورات. وكسرت حالة الحزن هذه المغنية الاوبرالية هبة القواس وصوتها الماسي، اذ اختارت الا تغني لجغرافيا العذاب والاوطان المفقودة بل للربيع والأمل وزهر نيسان.

كان كل شيء عفويا، بلا تنسيق مسبق. لكن النتيجة كانت هذه الصورة العفوية ايضاً. جميع الشعوب تغني حنيناً الى احبائها والعرب يغنون لأرضهم وبيوتهم. لذلك اخترع العرب ايضاً بديلاً سحرياً لوديع وام كلثوم وحداء فيروز: «بحبك يا وطني بحبك»، وذلك باكتشاف السيدة هيفا التي اختصت بالغناء «للواوا» (الوجع) كما في عصمائها الشهيرة «بوس الواوا خللي الواوا يسح». ولا لزوم للشرح بأن حرف الصاد يذوب في حنجرة السيدة هيفا فيصبح سيناً، وبالتالي المقصود في الواوا ان يصح، اي ان يشفى، وليس بمعنى السح، او السح اندح امبو الواد طالع لأبوه، كما كانت تغني رائدة هذا النوع من الفنون السيدة شريفة فاضل، دون ان يخطر لها مرة ان تتساءل: امال الواد حيطلع لمين يا ستي يا شريفة يا فاضل.

نحن يا مولانا «دقة قديمة» على قول المثل. بيرم التونسي على احمد رامي على ابراهيم ناجي على فكروني ازاي هوا انا نسيتك. على ام كلثوم على اسمهان على فيروز على لملمت ذكرى لقاء الامس بالهدب على القصبجي على السنباطي على الموجي على حمدي على فكروني ازاي.