ثم صار الاثنان سمنا على عسل!

TT

كان المكان الذي أنام فيه خانقاً.. كأنني أنام على الأرض.. في الشارع أو في إحدى حظائر الخنازير.. فنحن جميعاً ننام على أسرة صغيرة في غرفة واحدة.. والغرفة عند قاع السفينة.. والهواء له رائحة الجبنة القديمة.. ولا توجد أية وسيلة لكي نشم هواء صحياً إلا إذا صعدنا إلى سطح الباخرة.. وعلى السطح لا يوجد إلا هواء عاصف من جميع الجهات.. ولا أحد يريد أن يموت في الظلام وهو يرى الدنيا: الناس والبحر.. كأنه يريد أن يموت علنا.. أو كأنه يريد أن يجعل العالم كله يشهد على نهايته..

ولا أعرف من أين جاءت كلمة الموت.. ولكنها قفزت إلى لساني رغم أن كل شيء يدل على أن الحياة حلوة والناس أشكال وألوان على السطح..

إذن فليكن النوم في جوف السفينة أما الحياة فلتكن على السطح.. ولذلك كانت ساعات اليقظة فوق السطح.. حتى إذا جاء النوم هبطنا السلم إلى أحشاء السفينة..

وفي يوم اهتزت السفينة بعنف.. فالبحر موجه مرتفع ولونه أغبر.. أما في الليل فالبحر مخيف ولونه أسود.. والموج كأنه عفريت يحاول أن يبتلع السفينة ولا شيء يدل على أن السفينة قادرة على الصمود.. ولكنها صامدة.. والبحارة يروحون ويجيئون ويضحكون كأن شيئاً لن يحدث فقد اعتادوا على مثل هذه المعركة بين البحر والسفن.. ولكن منظر السفينة يوجع القلب فهي تحاول أن تتوازن على أكتاف الموج.. وفجأة ظهرت سيدات متدينات في الملابس البيضاء يصلين ويتجهن إلى السماء ويبتهلن إلى الله أن يجعل نهايتنا هادئة.. ولما سمعت عبارة «نهايتنا هادئة» اقتربت وسألت احداهن: هل نحن مقبلون على النهاية؟!

ونظرت في هدوء وهي تقول: إن النهاية من الممكن أن تجيء في أية لحظة!!

وكان الناس حولنا يصرخون ويفرغون ما في بطونهم.. وفي نفس الوقت كانت الراهبات قد استغرقن في الصلاة والدعاء..

وأشارت الراهبة أن أهبط وأن أعود وأنام وبذلك يكون إحساسي بالصراع بين الموج والسفينة ضعيفاً جداً.. ونمت فقد أرهقني الخوف من الموت ثم صحوت لأجد البحر قد صالح السفينة وصار الاثنان سمناً على عسل!