هناك شيء يقال له: العقل

TT

في (روبرتاج) مؤلم كتبه محمد فتحي يونس في هذه الجريدة عن صيادي الأسماك بالقاهرة، وقد التقى بأحد الصيادين الذي يعيش في النيل منذ 30 عاماً، ويقول الصياد: كان الرزق وفيراً من زمان أما اليوم فمن الممكن أن أظل ثلاثة أيام بلا سمكة واحدة.

ليس هذا موضوعنا فموضوعنا سيأتي لاحقاً.. هذا الصياد كان يعيش مع زوجته وابنته وولده الرضيع في قارب واحد، وانقلب القارب وغرقت الزوجة والبنت والطفل، وبعدها تزوج بأخرى وأنجب منها (إلى الآن) سبعة أبناء كلهم يعيشون في قارب واحد وهو يقول بأسى: يصعب عليّا العيال قوي.. لا تلفزيون ولا لعب ولا مدارس، قاعدين في الميه على طول وما بيشوفوش حد إلا أولاد الصيادين، كفاية الواحد فيهم لو حب يغسل وشه بينزل النيل.

طيب إذا كانوا يصعبون عليه إلى هذه الدرجة، فلماذا هو خلفهم أصلا بهذا التتابع السريع؟!

صحيح أن الرسول الكريم يريد أن يباهي بنا الأمم، ولكن كيف يباهي بنا إذا كنا جهلاء مرضى معدمين؟! أليس هو من قال: المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف؟! والقوة هنا ليست هي قوة العضلات، ولكنها قوة العلم والصحة والعمل.. وكنت أتمنى أن يكتب حديث (غثاء السيل) بحروف من ذهب ويعلّق في كل المنازل وكل غرف النوم وكل المحاكم، وكل المدارس، وكل قصور الأفراح، وكل دفاتر عاقدي الأنكحة، بدلا من هذه (الزيطة والزمبليطة) التي لا لها أول ولا آخر.

ولقد شاهدت رجلا خليجيا تزوج ابنة عمه قبل الإلزام (بالكشف الصحي) قبل الزواج، وهذا الرجل لديه حالياً تسعة أبناء كلهم معاقون ومتخلفون عقلياً، ولا يزال مصرا على الإنجاب على أمل أن يأتي له ابن (صاغ سليم)، والله أعلم متى يأتي؟!

ما هذا الذي يحصل؟! من أين تأتي مصر بالعمل والغذاء (لمليون مولود) يهّلون عليها سنوياً؟!

وكيف يكون وضع السعودية بعد 25 سنة عندما يصل عدد سكانها إلى 50 مليون إنسان؟!

(بنغلادش) الدولة المسلمة الفقيرة المكتظة بالسكان، أرادت أن توعي الناس ليحددوا النسل، فلجأت إلى الصور، حيث أن الناس هناك أغلبهم لا يقرأون ولا يكتبون، فوضعت صورتين إحداهما لأسرة مكونة من عشرة أفراد وكلهم فقراء متسخون مهلهلة ثيابهم، والصورة الأخرى لزوج وزوجته ومعهما طفلان والجميع نظيفون مستصحون مبتسمون، وعندما استعلموا ورصدوا تعليقات الناس، الذين يمرون على هذه الملصقات في الشوارع، كانت الغالبية العظمى الساحقة منهم، يرثون لذلك الزوج والزوجة اللذين ليس لديهما سوى طفلين (!!).

أليس المثل يقول:(العدد بالليمون) ـ كناية على أن (الكيف) وليس (الكم) هو المهم؟!

وهذا هو العالم الإسلامي به أكثر من (1500 مليون) إنسان، واليهود في العالم لا يزيدون على (15 مليون) فقط، ولكنهم عبر قرن من الزمان استطاعوا أن يحصلوا على (180) جائزة نوبل، ولم يحصل عليها المسلمون غير ثلاث مرات لا غير. وثروات الـ(15 مليون) تزيد على ثروات الـ (1500 مليون) ـ يمكن (بمّرة ونصف). لا تتفلسفوا وتقولوا إن الكثرة السكانية هي طاقة هائلة لو استغلت، ثم تضربون مثلا بالهند والصين، فهذا كله هراء وغير صحيح، ويتمنى المسؤولون في هذين البلدين لو أنهم أغمضوا أعينهم وفتحوها ووجدوا عددهم نقص إلى النصف. بل إنني أجزم لو أن الستة مليارات من البشر على الكرة الأرضية قد نقصوا إلى ثلاثة مليارات، لتنفس العالم الصعداء أكثر، ولتقدم أكثر، ولتعلم أكثر، ولقل الازدحام، وقلت الجرائم، وقل التلوث، وتلاشت البطالة، وتسارعت دورة العمل.

ليس هناك مانع أبداً من أن (يستمتع الأزواج) بعضهم ببعض ـ بل بالعكس الله يسعدهم ويقويهم ويستر عليهم، ولكن هناك شيئا يقال له العزل، وهناك شيء يقال له الواقي، وهناك أشياء يقال لها الحبوب، وقبل ذلك كله، هناك شيء يقال له العقل.

[email protected]