معركة ذات الحذاءين!

TT

لو صح ما صرح به ياسين مجيد، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن رامي الحذاء الصحافي منتظر الزيدي عبر في رسالة للمالكي عن ندمه واعتذاره عن فعلته، واصفا ما قام به بأنه «عمل قبيح جدا».. أكرر «لو صح هذا»، فإنه سيشكل ضربة موجعة لكل الذين أسرفوا في تمجيد ذلك الفعل، وأغدقوا على فاعله الكثير من النعوت العظيمة كالرئيس الفنزويلي هيوغو شافيز، وصاحب القناة اللبنانية الذي عرض صرف راتب للصحافي من لحظة إطلاق الحذاء، والثري الذي افتتح مزاد «القندرة» بعشرة ملايين، ومعلق الكرة الذي قرر ضم منتظر الزيدي إلى قائمة الهدافين، والشاعر الذي ألف قصيدة لكي يتغنى بها «شعبولا» بعنوان «مالكش لزمة»، وكان يمكن أن يكون اسمها «معلقة الجزمة».. كل هؤلاء وغيرهم سيجدون أنفسهم في ورطة كبيرة، وليست أمامهم أية وسيلة سوى اللجوء إلى مدرسة النقد الأدبي التي تقول بموت المؤلف وتتعامل مع النص بمعزل عن مبدعه، فيصبح بإمكان هؤلاء التعامل مع الحذاء الطائر كفعل مستقل لا علاقة له بالرامي سواء اعتذر أو لم يعتذر، وسواء وصف فعله بالقبيح جدا أو العظيم «اللي ما حصلش»!

لو صح أن منتظر الزيدي نعت عمله بـ«القبيح جدا» يكون الرجل متقلب المزاج، شديد التناقض، حاله كحال الذي وصفته فيروز في إحدى أغنياتها:

يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا

كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا

فبعد هذا الفعل الاستعراضي الكبير، وبعد هذه الزفة الطويلة العريضة، وبعد الفضيحة العظيمة التي سببها لنا بأننا قوم نرتدي الأحذية فقط للإهانة عند اللزوم.. بعد كل ذلك وغيره، يصبح اعتذار منتظر الزيدي أقبح من الذنب، إذ جاء مخيبا لآمال الكثيرين، ومحبطا لحماستهم، وأشبه بـ «فرحة ما تمت»، حيث سرق اعتذاره احتفاليات المؤيدين، وأطفأ شموع تمجيدهم للذي جعل «القندرة» ترقص رقصة الخيزرانة في الهواء:

لا لا يالخيزرانة في الهوا ميلوك

لا لا وإن ميلوك مالت الروح معاك

لو صح أن منتظر الزيدي قال ما قال في خطاب اعتذاره فإن معنى ذلك أن الحكم قد أطلق الصافرة، وانتهت المباراة التي سماها أحد الصحافيين بـ«معركة ذات الحذاءين»، وانفض الجمهور، ولم يبق في الملعب سوى «شعبولا»، وكاتب أغانيه، ورجل يعيد ملايينه العشرة إلى جيبه بعد أن فتح في اتجاهه شهية اللصوص!

[email protected]