كيف نزيد من ذكاء العالم؟

TT

يفضل المسافرون إلى أفريقيا وآسيا أشكالا مختلفة من تقديم المساعدة الأجنبية التي تفضي إلى «إحداث التغيير»، وثمة شكل من هذه الأشكال أفضله، وهو عبارة عن مادة معجزة رخيصة الثمن وتجعل الناس أكثر ذكاء. ولكن ـ لسوء الحظ ـ فإن لها أثرا جانبيا وحيدا ولكنه مروع. لا.. لا تتسبب هذه المادة في العقم، ولكنها تقريبا المادة الأقل إثارة في العالم وحسب. وفي الواقع، فإن القليل من الناس من يلتفت إليها أو يستثمر فيها (أو يجرؤ على الكتابة حولها)، وذلك لأنها تبعث على الملل بصورة كبيرة.

هذه المادة هي الملح المعالج باليود.

لا يحصل نصف سكان العالم تقريبا على مقدار كاف من اليود في الطعام والمياه، والنتيجة في الحالات الشديدة هي الإصابة بتضخم الغدة الدرقية، وهو ما يتسبب في تضخم الرقبة، أو الإصابة بعيوب أخرى مثل التقزم أو الفدامة (حالة مرضية خلقية ناشئة عن فقدان أو اضطراب الإفراز الدرقي تتسم بالتشوه الجسمي وقصر القامة والبلاهة). ولكن المرض الأكثر شيوعا هو التأخر العقلي.

وعندما تفتقد المرأة الحامل إلى كمية كافية من اليود في جسمها، ربما يعاني وليدها من مرض عقلي مزمن ويمكن أن تكون نسبة ذكائه أقل بمقدار 10 ـ 15 نقطة. وثمة اعتقاد بأن نتائج النقص في اليود تتسبب في فقدان أكثر من مليار نقطة في نسبة الذكاء في العالم.

وكثيرا ما يتحدث خبراء التنمية عن المنافع التي يمكن جنيها من إضافة اليود والمغذيات الدقيقة (مثل فيتامين A والحديد والزنك وحامض الفوليك) في الوجبات الغذائية.

وقد وضع «كوبنهاغن كوسنساس»، وهو مركز يجمع مجموعة من الاقتصاديين البارزين عالميا لبحث الحلول الأكثر فاعلية من حيث التكلفة للمشاكل التي تواجه العالم، المغذيات الدقيقة على رأس قائمة أولويات إنفاق المساعدات الأجنبية.

وفي تعليق له عن المغذيات الدقيقة، أفاد البنك الدولي بأنه: «قد لا تكون ثمة تقنية أخرى توفر فرصة كبرى مثل هذه لتحسين الأوضاع المعيشية.. بتلك التكلفة البسيطة وفي هذا الوقت المختصر».

ومع ذلك، لم يتم وضع هذه الإستراتيجية موضع التنفيذ بصورة كاملة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المغذيات الدقيقة ليست جذابة، فلا توجد نجمة سينمائية تحب اليود. ثم، هل يمكنك تخمين ما هي الدولة التي تقدمت في هذا المجال وقامت برعاية مبادرة مغذيات دقيقة؟ إنها دولة جادة ولكنها تتسم بالكسل. إنها.. كندا!

قبل أعوام، أقامت مجلة «نيو ريبابلك» منافسة عن العنوان الأكثر إثارة للملل، وكان المؤشر يتجه ناحية عمود في صفحة الرأي بالـ«نيويورك تايمز»، لم يكن لي، وكان يقول: «مبادرة كندية جديرة بالاهتمام». وللأسف، كان يتناول معالجة الملح باليود.

وتعد باكستان نموذجا للتحدي الماثل أمامنا. فحتى فترة قريبة، كان ستة من كل تلاميذ باكستانيين يعانون من نقص في اليود. ولم يكن اليود في بال أي أحد. ويقول حاجي سساجوال خان، 65 عاما، وهو صاحب مصنع ملح صغير بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام آباد: «لم أسمع يوما عن الملح المعالج باليود». وقد وصل المسؤولون التابعون لمبادرة المغذيات الدقيقة ومؤسسات المساعدة الأخرى إلى أصحاب المصانع من أمثال السيد خال ليحثوهم على معالجة الملح باليود، كي يساعد ذلك جزئيا في جعل المواطنين الباكستانيين ينعمون بصحة أفضل ومعدلات ذكاء أعلى.

ويقول السيد خان: «سأمنع تضخم رقاب المواطنين، وأساعد في جعلهم أكثر ذكاء»، ولذا وافق على إضافة قطرات من اليود إلى طاحونة الملح الموجودة في مصنعه.

وإحدى المعوقات التي ظهرت، كانت شائعة تقول إن الملح المعالج باليود يتسبب في العقم، وأن الأمر مجرد مؤامرة خسيسة من الأجانب لمنع المسلمين من الإنجاب. وقد انتشرت نظرية المؤامرة تلك إلى حد ما لأن نفس المؤسسة الإعلانية التي كانت تقوم بتسويق الملح المعالج باليود كانت تسوق نوعا من العوازل الذكرية.

بيد أن التقدم كان جليا، وأحد هذه الأشياء الجاذبة للانتباه هو أن حملة لمعالجة الملح تتكلف 2 ـ 3 سنتات لكل شخص يتوصل إليه في العام.

ويقول الدكتور خواجة مسعود أحمد، وهو مسؤول في مبادرة المغذيات الدقيقة: «ننفق قليلا جدا، ولكن نحقق منافع كبرى، فنحن نمنع إصابة المواطنين بتأخر عقلي».

وفي الواقع، قالت الصحيفة الطبية البريطانية «ذي لانست» الشهر الماضي: «يعد نقص اليود السبب الأكثر شيوعا للأمراض العقلية التي يمكن منعها في مختلف أنحاء العالم».

ومن حين لآخر وخلال سفرياتي في مختلف أنحاء العالم، كنت أكاد أفقد أعصابي إذ أرى قرى كاملة في بعض الأماكن، مثل غرب الصين، بها العديد من المواطنين الذين يعانون من إعاقات عقلية أو جسمانية، يترنحون وهم يمشون وغير قادرين على التحدث بصورة جيدة. وحاليا، أدرك أنه يحتمل أن يكون السبب في بعض الحالات هو نقص اليود. وقد كانت هذه المشكلة مستشرية في منطقة جبال الألب. ويعتقد أن كلمة مقابل كلمة «فدم» في اللغة الإنجليزية جاء من لهجة جبلية في فرنسا، وذلك لأن نقص اليود في منطقة جبال الألب تسبب في معاناة الكثيرين من هذا المرض. وانتهت المشكلة عندما جاء الغذاء من مكان ما وتم معالجة الملح باليود.

وهناك كلام عن أن الرئيس المنتخب باراك أوباما قد يعيد تنظيم أجهزة المساعدة، ربما يحولها إلى وزارة في مجلسه الوزاري. وهناك الكثير من الأسباب الجيدة، وأنا ممن يعتقدون كثيرا في إنفاق المزيد والمزيد على التعليم والرعاية الصحية للأمهات، ولكن قد لا يكون هناك استثمار أكثر قيمة من الاستثمار في المغذيات الدقيقة.

نعم، معالجة الملح باليود أمر ممل، ولكن إذا كنا نستطيع إضافة مليار نقطة لنسبة الذكاء العالمي، فليكن هناك دعم أميركي قوي لمبادرة كندية تستحق الاهتمام بها.

* خدمة «نيويورك تايمز»