مذهل أكثر!

TT

المفاجآت الاقتصادية تتوالى والملفات المالية تواصل تقديم كل ما هو جديد ومثير وتتحفنا بكل غريب وعجيب. أساسيات الاقتصاد الحر والمفتوح تواجه تحديات في صميم تركيبة بنائها وفي صميم أسسها. الفائدة المصرفية بلغت مستوى الصفر، لا شيء! في البنوك المركزية بالدول الصناعية الفائدة الرسمية المعلنة هي: صفر! منظمة الدول المنتجة للبترول (أوبك) بأعضائها الاثني عشر تعلن للعالم عن أكبر تخفيض في تاريخها وذلك بـ 2.2 مليون برميل في اليوم، وذلك لغرض تحريك العرض والطلب في سوق متدهور يمر بركود عنيف ومرعب تسبب في هبوط في سعر البرميل الواحد لأكثر من مائة دولار في أقل من خمسة أشهر. الصين والهند تعلنان عن انكماش ملحوظ في حراك النمو الاقتصادي بهما وتراجع واضح بأكثر من نقطتين مئويتين في كل بلد، وهناك رمزية بالغة الأهمية والدلالة عن هذا الإعلان، وذلك نظرا للأهمية الكبرى لدولتي الهند والصين في الحراك الاقتصادي الدولي باعتبارهما محركي الأسواق الناشئة الأكبر. معدلات البطالة إلى ارتفاع مذهل في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا مع الإعلان عن تبعيات و«شروط» خطة الإنقاذ المالية لصناعة السيارات الأمريكية والتي ستطالب بإغلاق العديد من المصانع وخفض النفقات وتسريح الآلاف من العمال والموظفين. جنرال موتورز وحدها أعلنت أنها ستغلق عشرين مصنعا في الفترة المقبلة. ولعل هناك خاسرا أكبر في كل هذه الأزمة الخانقة والمدمرة وهو: الجمعيات الخيرية والجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الأهلية غير الربحية، التي شهدت تقلصا مرعبا في حجم التبرعات والهبات والأوقاف التي تتلقاها بانتظام، مما بات يهدد كل خططها وأهدافها إلى خطر عظيم، فمعظم هذه الجهات كانت تعتمد في مداخيلها على عطايا الشركات الكبرى وكبار الشخصيات المهنية وجميعهم تأثروا وبشدة جراء تبعيات الزلزال المالي الكبير. أسواق الإعلانات هي أيضا شوهدت وهي تنهار والحديث عن تخفيض «غير مسبوق» في الميزانيات المتوقعة لعام 2009 أصاب وسائل الإعلام بإحباط حاد مقدما. هناك دول لم تتعرض «فعليا» لأضرار «مباشرة» جراء هذه الأزمة، ولكن الأزمة حطت بظلالها السوداء على رؤوس الأسواق ورجال الأعمال بتلك الدول وشلت حركتهم، وحين سؤالهم عن المشكلة تكون الإجابة: «إننا لا ندرك حجم المشكلة وبالتالي الاحتياط واجب». ووسط هذا الكوكتيل الدرامي كله، وعملا بالحكمة القديمة التي تقول «مصائب قوم عند قوم فوائد»، هناك فورة هائلة في مبيعات الذهب والأعمال الفنية التشكيلية، فمع فقدان الناس الثقة بالأسواق والبورصات والبنوك لجأ بعض الناس إلى استثمار أموالهم في سلع غير تقليدية أمام أعينهم ترتفع أسعارها ويمكنهم بيعها إذا تطلب الأمر.. المفاجآت الاقتصادية ما زالت تتوالى، فالقادم مذهل أكثر.

[email protected]