القمة الخليجية.. وما لا يقال

TT

يتردد الواحد في الكتابة عن مجلس التعاون الخليجي، وسبب التردد هو في فحوى ما يجب أن يكتب، وما هو صالح للنشر، وما يجب أن يقال، وما يجب ألا يقال. تخاف من التكرار، تتحاشى الكليشيهات، تتجنب المديح السمج، وتكره النقد الظالم في غير محله. تشعر بمسؤولية القلم، فيقف في وجهك جدار المسموح ـ أو بالأحرى غير المسموح به. لكنك تدرك أهمية الإشادة بما تحقق، وتدعي قدرة النقد على التصحيح. تردد، تغير المقالة، تغير الموضوع، ثم تحسم التردد: ما لا يدرك كله، لا يترك جله.

ستعقد في مسقط ـ عاصمة سلطنة عمان ـ الأسبوع القادم، القمة الخليجية التاسعة والعشرون، التي سيحضرها قادة دول المجلس. كان غياب بعضهم في قمم سابقة علامة على عدم رضى الغائب على المضيف، أو انعكاسا لخلاف «غير معلن» في الإعلام الرسمي لدول المجلس، بينما هو حديث المنتديات والديوانيات والملتقيات الخليجية.

تعقد القمة الخليجية بعد أيام من حسم الخلاف الحدودي السعودي ـ القطري بالمصادقة على خرائط الترسيم بينهما، وتوقيع البلدين بشكل نهائي على الحدود بينهما بعد خلاف «حاد» استمر سنين وأخذ أشكالا من التراشق الإعلامي المحزن بين الجارتين الشقيقتين. اختلطت المشاعر حين سماع نهاية الخبر: فرح لحل خلاف بين الشقيقين، وحزن لبقاء خلاف حدودي بينهما طيلة هذه السنين. تتساءل: هل يعقل بعد مسيرة المجلس التي قاربت الثلاثة عقود أن يبقى خلاف حدودي بين دولتين عضوين في المجلس؟ وهل يمكن أن تكون هناك خلافات حدودية «صامتة» بين دول أخرى في المجلس؟ «في الفم ماء»، فتترك النفي للسذج. لكن المؤلم أن عدم حسم الخلافات الحدودية ـ إن وجدت ـ يعني أننا على مسافة بعيدة جدا من الوحدة المنشودة، والطموحات المأمولة لشعوب المنطقة.

يواجه العالم اليوم أزمات مالية حادة، وانهيارات وكساد في أقوى وأكبر اقتصاديات العالم، ولم تستثن الأزمة المالية العالمية هذه أحدا في أي مكان أبدا. وتتجمع الدول على شكل كتل اقتصادية لا رابط بينها سوى دافع التعاون في المجال الاقتصادي، وأخبار تنفيذ قرار السوق الخليجية المشتركة لا تسر الصديق، فقرار السوق المشتركة المتخذ في قمة الدوحة الماضية، ما زال يتعثر ويحبو، ومتابعة تنفيذه اليوم أهم من أي مسألة اقتصادية أخرى.

ما زال المواطن الخليجي يعاني من بيروقراطية بطيئة، ومن غياب الوعي لدى منفذي قرارات القمة بأبعادها وأهمية تسريع إنجازها، ونظام إنشاء المجلس لا يجعل لدى الأمانة العامة فيه سلطة «عقابية» على أية جهة في حالة عدم تنفيذ قرارات المجلس الأعلى ـ أي القمة. والهيئة الاستشارية تستشار ويستمع لها وراء أبواب مغلقة لا تعرف شعوب المنطقة ما قالت، ولا هي مسموح «أدبيا» لها بالتصريح عن مواطن الخلل.

التقارب الخليجي اليمني مسألة حيوية ومهمة، دافعها العمق الاستراتيجي البشري والأمني والمصلحة الاقتصادية لكلا الطرفين، صحيح أن استحقاقات مهمة مطلوبة من الطرفين، لكن التقارب مسألة مطلوبة في سلم الأولويات. ولا شك في أن البعد اليمني في مسيرة المجلس، سيطرح الحديث عن العلاقات مع باقي دول الجوار ـ وتحديدا إيران والعراق والأردن، لعقلنة الأولى، وعوربة الثانية والتنسيق مع الثالثة للهدفين الأولين.

سيبقى مجلس التعاون الخليجي وعاء يضم الجهود الخليجية للتقارب والتنسيق في كافة المحالات، وقاربا يبحر بآمال شعوب المنطقة، لذا فإن تطوير تنفيذ قرارات القمم فيه مسألة تتطلب مزيدا من الشفافية، وإشراك الرأي الشعبي فيها. والخوف كل الخوف، أن تتراكم مشاعر الفتور لدى المواطن الخليجي تجاه أهمية المجلس ودوره في رفاه هذا المواطن وتحقيق أمله في وحدة خليجية أكثر قربا، وأشد التصاقا.