فضيحة اتهام ضباط الداخلية العراقية

TT

فور قراءتي الخبرَ الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن اعتقال خلية بعثية في وزارة الداخلية العراقية تآمروا لتنفيذ انقلاب في البلاد، لم أجد سوى الضحك. خبر غير قابل للتصديق، وإلا كيف يستطيع ضباط بعثيون سابقاً الاستيلاءَ على الحكم في بلد هم معزولون فيه تماماً، والغلبة التامة هي للطرف الآخر، المحمي بمليشيات متعددة، فوق قوات الجيش. والأهم من كل ذلك، أن النظام العراقي يتمتع بحماية اكبر قوة عسكرية في العالم. كان واضحاً أن في تسريب الخبر تصفية شخصية. ففي العراق؛ البعثية تهمة خطيرة ومن أسلحة التصفيات الكلامية، إلا انها هذه المرة استخدمت جسدياً لملاحقة ضباط ضمن تصفيات سياسية وعزل وزيرهم، وزير الداخلية.

هذا ما تبين سريعاً، بعد ساعات من التسريبات الصحفية الكاذبة، ودفع الطرف الفاعل الى الارتباك، وتبديل روايته من الانقلاب الى الارتباط بالإرهاب، ومحاولة تعميم التهمة على وزارة الدفاع أيضا، ثم الانسحاب التدريجي بأنها مجرد شكوك. وأخيراً اطلق سراح المتهمين فور عودة الوزير الغاضب الذي اعتبر العملية موجهة ضده.

الى ماذا كان يرمي «المتآمرون» بترويج مؤامرة الانقلاب؟ المتهم هنا أطراف في مكتب رئيس الوزراء، وهم بالطبع ينفون التهمة. هل كانوا يعتقدون ان الوزير سيخاف على نفسه، ولا يعود الى بغداد؛ وبالتالي يتأتى لهم الإمساك بوزارة الداخلية؟ او كان هدفهم، على الاقل، تشويه سمعته، وسمعة وزارته، وضباطه وتوجيه هزيمة له مبكرة في الانتخابات.

القضية أكبر من مجرد مماحكات انتخابية، فقد وضع في السجن ضباط ظلماً وزوراً. ما الفرق بين ما فعله مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتدبير تهم كاذبة وما كان يفعله الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي كان يلفق التهم لخصومه داخل النظام من اجل التخلص منهم. كانت التهم الملفقة توجه تحت مزاعم التآمر على النظام. فتهمة التآمر تلغي تماماً الشخص الآخر وتبث الرعب في نفوس المنافسين الآخرين. ما حدث غير مسبوق في تاريخ النظام الجديد، او على الأقل إن حدث لم يواجه بنفس الروح الشجاعة التي واجه بها وزير الداخلية المزاعم، وإصراره على تحدي الفاعلين والدفاع عن ضباط وزارته. المتهم هنا هو مكتب رئيس الوزراء، بأنه وراء كذبة التآمر لإقصاء خصومه السياسيين، والتي جاءت في نفس الاسبوع الذي وقعت فيه فضيحة ترتيب المؤتمر الصحفي الاخير للرئيس جورج بوش، الذي تدور الشكوك حول من أدخل صحفياً معروفاً بخلفيته المعادية وانتهى الى حادثة الحذاء الشهيرة.

هل يستحق التنافس الانتخابي كل هذه الفضائح من اجل تشويه السمعة، بتوزيع تهم التخوين، وإلقاء موظفي الدولة في السجون، وتخويف المجتمع؟ هل نحن بصدد عودة فرق الموت التي زرعت الرعب في بغداد، وكانت تتولى توجيه التهم وقتل الخصوم في أقبح فصول العمل السياسي بالعراق الجديد؟

[email protected]