آخر الروس؟

TT

عندما توفي الكسندر سولجنتسن خطر لي سؤال واحد. وعندما يقول المرء إن سؤالا خطر له، فهو يقصد عادة أن لا جواب لديه: هل يمكن أن تلد روسيا سولجنتسن آخر؟ تأمل الجزء العظيم من الأدب الروسي: دوستويفسكي وأعوامه العشرة في سيبيريا. تولستوي وحياته العائلية المؤلمة. ماكسيم غوركي وعذابه ومنفاه الداخلي. وأخيرا سولجنتسن والسيرة الطويلة من المنفى والسجن والعذاب. فهل من الضروري أن تتكرر سيبيريا كي تتكرر تلك الملاحم الأدبية التي تقدمت جميع الآداب العالمية؟

ثمة توافق قديم على أن العطاء الأدبي العظيم يولد من الألم. هكذا ولدت أعمال وليم فولكنر وجون شتاينبك وجيمس جويس. هكذا ولد شعر رامبو وبودلير في فرنسا. هكذا ولدت آداب طه حسين ثم من بعده محمد شكري وحنا مينا وزكريا تامر وياسين رفاعية وروعة محمد الماغوط. لكن الأدب الروسي ظل المرآة الأكثر عكساً لآلام النفس البشرية والضعف الإنساني والطغيان اللابشري. وربما يقارب الروس في هذا النوع من العطاء، أدباء أميركا اللاتينية وشعراؤها. وقد تسنى لهؤلاء أن يعبّروا بحرية أكبر وفي مناخ عطائي أوسع من الأدباء الروس. إذ برغم عظمة الأدب الروسي فقد وضع جلّه في ظل اضطهاد القيصر ثم في ظل أعتى الديكتاتوريات. لكننا لا نلبث أن نرى أن معاناة الروس في ظل الفظاظة الديكتاتورية لا تقارن بما قرأناه في أدب اللاتينيين الذين نقلهم إلى العالمية بسرعة خارقة غابرييل غارسيا ماركيز وبابلو نيرودا وخورخي لويس بورخيس.

ولا أدري متى سيأخذ البيروفي ماريو بارغاس يوسا مكانة أرفع في آداب العالم. وأعتقد أن روايته «حفلة التيس» تفوق أعمال سولجنتسن وباسترناك. فالصناعة الروائية والاستقصاء الروائي والبناء الروائي عنده، يميز نفسه بأسلوب دفاق غير عادي. وقد شهر يوسا بديكتاتور الدومينيك الجنرال رافاييل تروخييو بأعمق مما فعل أي زميل له من اللاتينيين. وكما في روايات ماركيز يبدو دور المهاجر اللبناني، أو «التوركو»، أساسياً في كل الأحداث، وخصوصاً السياسية. وقد صرح ماركيز للزميل شوقي الريس بأن بطل «مائة عام من العزلة» في الحقيقة إيطالي لكنه جعله لبنانيا من عائلة نصّار لكي يعطي الرواية صدقية أكثر.