... بعد حادثة الحذاء

TT

في السباب العربي، «عليك النعلة» حلت بدل «عليك اللعنة» وذلك بُعيد حادثة النعل البوشية الشهيرة، و«يا منعول» بدل «يا ملعون»، فتحول التلعين إلى تنعيل، وحين يوصف شخص بأنه كان على وشك الموت يقال له تفادى «البوت» بأعجوبة.. بهذه النكت والتعليقات الساخرة والأشعار والمدائح والمقالات والأهازيج الأدبية عمت العالم العربي أجواء احتفائية بعد «معركة ذات الأحذية». المؤيدون رأوا في النعلة أسلوبا أقوى من غيره في تمرير الرسالة، محتجين بقول الشاعر بعد (التحوير) والاعتذار من أبي تمام:

النعل أصدق إنباء من الكتب

في كعبه الحد بين الجد واللعب

وقد تعرض المحتفون بها المنتشون لأحداثها إلى نقد وسخرية بحجة أن هذا ليس من شيم العرب في التعامل مع ضيوفهم، وأن هذا تخلف ما زالت تعاني منه العقلية العربية وكان الأولى بمنتظر وهو الصحفي أن يعتمد في تمرير رسالته على لسانه وليس نعاله، مستخدما حجته لا جزمته، وعليه فكل من أيده فهو متخلف مثله، لكن يبقى أن الحقائق على الأرض والإحصاءات تقول بأن الأغلبية العربية بعامتها ونخبها فرحت بما جرى، أو على الأقل أظهرت تشفيها من هذا الحدث الدرامي المثير على طريقة (لم آمر بها ولم تسؤني). أحد المواقع الإعلامية الشهيرة على الانترنت سجل رقما قياسيا في رصد آلاف التعليقات على الحادثة أغلبيتها الساحقة تؤيد وتبارك.

هذه هي الزاوية العربية إلى الحذاء المنتظري، لكن القليل منا من نظر إلى الحذاء الشهير من الزاوية الأمريكية.. النصوص الآتية اخترتها لكم من تعليقات مواطنين أمريكيين على الحادثة والتي نشرتها بحيادية تامة «نيويورك تايمز» الصحيفة الأمريكية الشهيرة والرصينة في 15/12/2008، وهي ليست انتقائية بل تمثل التوجه العام للتعليقات (رمي بوش بالحذاء كان بالتأكيد حدثا شجاعا ولا يقارن أبدا بما أحدثه الرئيس بوش في العراق من تقتيل ودمار).. (أظن أن من المناسب على كل أمريكي أن يرسل جوز أحذية إلى البيت الأبيض كهدية لعيد الكرسمس، عشرة ملايين حذاء أراه عددا معقولا!).. فعقب مواطن هولندي فكتب (عندي حذاء قديم وممزق تعتريني الرغبة في رميه على رئيسكم إذا زار بلدي، وبما أنني لست شخصا عنيفا فسأرميها عليه وأتحاشى ضربه بها، «فرمزية» رمي الحذاء تكفي).. (لماذا الأجانب فقط يحظون بمتعة رمي رئيسنا بالنعال؟ أرجوكم افتحوا المجال للمواطن الأمريكي ليشارك في هذه المتعة).. (لو أن الفرصة أتيحت لكل أمريكي أن يرمي الرئيس بوش بالنعال لكانت الكمية كافية لإغراق البيت الأبيض بالنعال، وسأكون سعيدا بالمشاركة).. (أنا مواطن أمريكي وضعت موقعا خاصا على الـ«FACE Book» لكل عضو معجب بالبطل العظيم رامي الحذاء على رئيسنا بوش، لقد بلغ العدد حين دخلت الموقع قبل قليل 10500).. (من المهم أن نؤسس مؤسسة خيرية مهمتها جمع أحذية الأمريكيين للتبرع بها إلى هذا الصحفي العراقي دلالة على استيائنا الشديد من رئيسنا بوش وعلى تضامننا مع الشعب العراقي).

صحيح أن هناك تعليقات من القراء الأمريكان انتقدت الحدث واعتبرته إهانة لأمريكا وليس لشخص الرئيس لأنه يمثل الأمة الأمريكية، لكن الصحيح أيضا أن أغلب التعليقات كانت تصب في الاحتفاء بالحدث والسخرية من الرئيس بوش وسياساته.

واللافت في هذا الشأن «الحذائي»، أن التحقيق الذي أوردت لكم عينة من التعليقات عليه آنفا والذي أجراه مراسل صحيفة «النيويورك تايمز» في مناطق عدة في العراق، كان يتصف بالانتقائية بمعنى أن معظم تعليقات العراقيين كانت تنتقد الصحفي منتظر، وهذا خلاف ما نعرفه عن ردة فعل الشعوب العربية، ومع ذلك جاءت معظم تعليقات القراء الأمريكيين تؤيد منتظر وتنتقد رئيسهم بوش.

وأخيرا من المهم أن أشير هنا إلى أن أغلب المقالات الأمريكية وتعليقات القراء ومنها صحيفة «النيويورك تايمز» لم تكترث كثيرا بالنظر إلى فعلة منتظر من البعد المهني كصحفي وقليل منها انتقدته بتجاوز شرف المهنة، وإنما نظرت إلى منتظر الزيدي من البعد الإنساني كمواطن عراقي دمر بلده وسلبت خيراته وقتل عشرات الألوف من شعبه بسبب احتلال فاشل وسياسة رئيسهم بوش الخرقاء.

[email protected]