مفاجأة دمشق: مفاوضات مباشرة

TT

لا ندري من يسابق من، إنما كنا في حال من الدهشة عندما أعلن الرئيس بشار الأسد شخصيا ان المفاوضات المباشرة خير من المباشرة لتحقيق السلام.

فركت عيني حتى أتأكد مما قرأت، ليس لأن سورية تريد التفاوض المباشر، بل لأن التصريح سبق دخول باراك أوباما البيت الأبيض بنحو شهر. وسبق أيضا الانتخابات الإسرائيلية التي يتقاتل المرشحون على مواقف متطرفة فيها.

اما الجلوس مع الاسرائيليين فلم يعد قضية منذ مؤتمر مدريد في عام 91 وما تلاه من محادثات مباشرة رسمية وعلنية.

ومن الواضح ان الرئيس السوري تعمد استخدام وجود الرئيس الكرواتي في زيارته لعقد مؤتمره الصحفي، وتمرير رسالة سياسية واحدة، ان دمشق لم تعد تخاف من المفاوضات المباشرة، وكما نعرف فالجيران الأتراك هم من يقوم بدور الرسول بين الطرفين في المفاوضات غير المباشرة.

والأكثر إثارة من مرونة القيادة السورية المعروفة بسمعتها في العناد والرفض، أن المرشح الاسرائيلي الأكثر عنادا ورفضا وهو ايضا الأكثر حظا بالفوز برئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو، يريد التفاوض على حساب الجولان. ويشاع انه مستعد لسلام مع سورية يعيد فيه هضبة الجولان المحتلة. موقف سياسي متطور من زعيم متطرف، ان كان ذلك صحيحا. والحقيقة لا يهم من يحكم اسرائيل، صقرا كان أم حمامة، بقدر ما يهمنا ان يكشف عن سقفه التفاوضي. فان كان يريد سلاما جزئيا، مثلا بعض الجولان، او كل الجولان دون دولة فلسطينية، او دولة للفلسطينيين دون القدس الشرقية، فمن الافضل ألا يبدأ، لأنها تعني شيئا واحدا تعميق الأزمة وتعقيدها.

ومن يدري فقد يكون نتنياهو، صقر اليوم، حمامة السلام من الجانب الاسرائيلي وان كان ذلك أمرا مشكوكا فيه بما تواتر عن مواقفه السلبية.

اما بالنسبة لسورية فهي في موقف صعب لأنه يشكك دوما في جديتها حيال السلام، وتتهم بأنها العقل المدبر وراء تخريب كل المفاوضات اللبنانية والفلسطينية. وعلينا ان نفهم وجهة النظر السورية التي لا تكتب في الصحف او تذاع علانية. يقولون، همسا، انهم لم يمنحوا قط عرضا يستحق ان يوقعوا عليه، جاءهم عرض مرة واحدة في عهد الرئيس بيل كلينتون، وقبلوا به في جنيف، إلا ان الاسرائيليين نكثوا بكلمتهم بدعوى تدهور صحة الرئيس السوري حينها، وانهم يفضلون الانتظار لمعرفة من يخلفه وسياسته.

صحيح ان السوريين رقم صعب، وقد أفسدوا بالفعل كل مشاريع السلام الاخرى على مدى ثلاثين عاما. فقد حاولوا تخريب اتفاق كامب ديفيد، ومع انهم فشلوا، استطاعوا من خلال الدعاية المنظمة محاصرة النظام المصري شعبيا. ونجاحهم الباهر تمثل في إفساد كل اتفاقات الفلسطينيين من أوسلو وحتى خارطة الطريق. ومنعوا بكل يسر اللبنانيين من أي مفاوضات أو سلام.

السبب انهم لن يقبلوا ان يقوم سلام على حسابهم، فهم ضد نهاية النزاعين اللبناني ـ الاسرائيلي والفلسطيني ـ الاسرائيلي، لأن ذلك يعني محاصرة سورية، وتمكين الاسرائيليين من الهضبة بمنافعها الاستراتيجية العسكرية والمائية. حتى انها كانت سببا في خلاف التسعينيات بين الرئيسين الراحلين حافظ الاسد وياسر عرفات. فالأخير كان منخرطا في التفاوض في حين ان الرئيس الاسد كان يرى بلاده مهددة بأن تصبح بعد كل اتفاق ينفذ الأرض الرخوة في النزاع مع اسرائيل، وهذا ما جعل سورية مركز التعطيل. اليوم دمشق هي من يتقدم الاستعداد للتفاوض في المرحلة الجديدة، او هكذا يبدو لنا.

[email protected]