الصافي صافي القلب والذهن

TT

الشائع عن الشعراء أنهم بشر فوق البشر في أحاسيسهم المرهفة ونفوسهم الطيبة. جربتهم فما وجدتهم كذلك. كل ما لقيته منهم نمّ عن قلب غليظ وغرور وأنانية وذاتية مفرطة. غير ان بينهم قلة تحلت فعلا بما قيل من حساسية ورقة وطيبة وصدق. يأتي في مقدمة هؤلاء القلائل الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي. قالوا ان ترجمته لرباعيات عمر الخيام جاءت في القمة، غير انها لم تنل ما تستحقه من الشهرة. ونستطيع ان نفهم لماذا من هذه الحكاية التالية التي سردها الباحث التراثي الدكتور جليل العطية.

بعد الجوائز الثمينة بالدولار، لا شيء يثلج قلوب الشعراء غير ان يسمعوا مطربة شهيرة تغني أشعارهم في الملاهي. لا أشك بأن هذا ما شعر به نزار قباني عندما استمع الى نجاة الصغيرة وهي تغني «أيظن». غير ان احمد الصافي النجفي كانت له حكاية مختلفة. قضى هذا الشاعر معظم حياته في لبنان. وفيما كان يتجول كعادته في شوارع بيروت مر بأحد ملاهيها فسمع إحدى المطربات تغني شيئا من ترجمته للرباعيات. وبالطبع استدرجه ذلك لدخول الملهى والاستماع لها على التمام. لم يكن الشاعر النجفي ممن اعتادوا على ارتياد الكباريهات والسينمات. فاشترى بطاقة ودخل، وراعه ما رأى من جو الملاهي الشرقية من ضجيج الزبائن السكارى وهم يغرقون بالخمرة ويراودون الرقاصات والغانيات، غير عابئين بما كانت تغنيه المطربة او كانت تقوله من شعر. امتلكه الغضب والامتعاض فترك الملهى ثائرا ولم يهدأ له عصب حتى حل صباح اليوم التالي فراح يطوف مكتبات بيروت يجمع الكتب التي نشرها وتضمنت ترجمته لرباعيات الخيام. وكما نتوقع من الشاعر، جلس في زاوية من غرفته البائسة وامتشق القلم لينفس عن شجنه وغيضه بهذه الابيات:

«رباعيات الخيام» كم جلبت

الى ضعاف الحجى بلاياها

ترجمتها للفنون خالصــة

تسـكر قراءها بمغزاها

إذا بها في الحانات ساكنة

تصبغ أوراقها حميـاها

كأنها من قتال أعدائها

عادت تريني دماء قتلاها

يشرب هذا وذاك يقرأها

فيعبس الفـن في محياها

أغضبها فعلهم فلو نطقت

لسـبهم لفظها ومعناها

www.kishtainiat.blogspot.com