تبرئة ساحة «بلاك ووتر»!

TT

قد يبدو اتهام خمسة تابعين لشركة «بلاك ووتر» بتهمة القتل غير المتعمد في مذبحة مروعة قضى خلالها أكثر من 12 مدنيا عراقيا نوعا من ممارسة المحاسبة، ولكنه قد يكون العكس تماما، فقد يكون بمثابة عملية تبرئة لساحة الحكومة والمسؤولين بالشركة الأمنية والذين يجب أن يتحملوا المسؤولية كاملة. وإذا كان ما زعمه مدَّعو وزارة العدل صحيحا، فإنه يجب على الخمسة، وهم دونالد بال ودوستن هيرد وإيفان لبرتي ونيكولاس سلاتن وبول سلو، الإجابة عما حدث في السادس عشر من سبتمبر (أيلول) 2007. وهناك اتهامات للخمسة، الذين يعملون بموجب عقد مع «بلاك ووتر» لحماية موظفي وزارة الخارجية في العراق، بإطلاق النار والقنابل اليدوية على تقاطع شوارع مزدحم بالناس، الأمر الذي أدى في الأقل إلى مقتل أربعة عشر مدنيا غير مسلحين وإصابة عشرين آخرين. وقال المدعون إنه تم إطلاق الرصاص على أحد الرجال مع أنه كان رافعا يديه لأعلى في استسلام. ويزعم مساعد النائب العام باتريك روان أن لائحة الاتهام، التي تتضمن تهما بالقتل غير المتعمد الطوعي وسوء استخدام السلاح، تبرهن على أن من يتورط في «هجمات غير مسببة سوف يتحمل المسؤولية». ولكن، لا تدل لائحة الاتهام على شيء من القبيل، وكما هو الحال مع عمليات التعذيب والإذلال للمعتقلين في سجن أبو غريب، تعمد حكومتنا إلى إبعاد التحقيق عن المسؤولين الكبار الذين قاموا بتوظيف هؤلاء الحراس، حتى لا يكون هناك حديث عن واضعي السياسات الذين جعلت قراراتهم من عمليات إطلاق الرصاص أمرا ممكنا، إن لم يكن شيئا حتميا. ولم يرفع المدعون الاتهامات ضد «بلاك ووتر» التي تتخذ من شمال كارولينا مقرا لها، والتي تعد أكبر شركة أمنية أميركية في العراق، ولا ضد أي من المسؤولين التنفيذيين في الشركة، ولكن ألقيت اللائمة كاملة في هذا الحادث المروع على الحراس الذين، حسب ما قاله المدعون، جعلوا من ساحة النسور في بغداد منطقة خالية من إطلاق النار.

كان الحراس يشعرون بالقلق بسبب انفجار سيارة مفخخة في مكان آخر من المدينة في ذلك اليوم، وتقول الشركة إن موكب «بلاك ووتر» تعرض لهجوم شنه متمردون، مما دفع الحراس إلى إطلاق النيران للدفاع عن أنفسهم. وقال محامي الدفاع بول كاسل في تصريحات للصحافيين:

«مات مواطنون بصورة مأساوية». وثمة بوْن شاسع بين الدفاع عن النفس ووابل النيران الذي يزعم أن رجال «بلاك ووتر» قد أطلقوه. وكان من المفترض أن يزيد التدريب الجيد والإشراف، الذي تتحمل مسؤوليته «بلاك ووتر»، من احتمال أن يتخذ الحراس القرارات السريعة الصائبة في الفوضى التي تتسم بها ساحة النسور، بدلا من أن يعطي «بلاك ووتر» تصريحا مفتوحا، ويجب على وزارة العدل التحقيق في عمليات الإعداد التي حظيَّ بها هؤلاء الرجال قبل إرسالهم إلى شوارع بغداد الخطرة. نعم، لا شك في أن «بلاك ووتر» لديها القواعد واللوائح الخاصة بالوقت والمكان الذي يمكن لرجالها إطلاق النيران فيهما، ولكن هل يتم تطبيق هذه القواعد؟ وهل كان هناك ما يجعل هؤلاء الرجال الذين أقيمت ضدهم لائحة اتهام يعتقدون أنهم سوف يعاقبون على هذا الفعل الهائج؟ وهل ينظر إلى إطلاق الرصاص على أنه شيء مقبول داخل «بلاك ووتر»؟ يجب أن يجيب المسؤولون التنفيذيون عن هذه الأسئلة وأسئلة أخرى.. ولكن بعد أن يقسموا بأن يقولوا الحق.

ولكن، يجب أن تتجاوز المحاولة لتحميل المسؤولية عن هذه المذبحة شركة «بلاك ووتر»، فإدارة بوش هي من قررت استخدام الحفاظ على أمن احتلال العراق اعتمادا بصورة كبيرة على قوات تتبع شركات خاصة وليس جنودا نظاميين. وهناك ما يقدر بـ30 ألف متعهد أمني بالعراق، والكثير منهم لحماية موظفي وزارة الخارجية الأميركية. وكان وجود هؤلاء الجنود الذين يحملون أسلحة ثقيلة نقطة شديدة الحساسية بين الولايات المتحدة والحكومات العراقية. وحتى الوقت الحالي، فإن المرتزقة ـ يعترضون على هذا النعت ولكنه يناسبهم ـ لديهم حصانة من الادعاء عليهم أمام المحاكم العراقية عند وجود أي مزاعم بارتكابهم جرائم. وسيتغير ذلك في الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل عندما تضعهم الاتفاقية الأمنية الأميركية العراقية تحت طائلة القانون العراقي. ويحتمل أن يكون تقضي «بلاك ووتر» والشركات الأخرى وقتا عصيبا في إعادة تدريب وتجنيد حراس، على ضوء احتمال قضاء بعض الوقت في سجن عراقي. بيد أنه، من المفترض أن تكون هناك حاجة إلى المزيد من القوات التي تتبع شركات أمنية خاصة، في الوقت التي تقلل فيه الولايات المتحدة من مستويات قواتها.

وينتقد باراك أوباما إدارة بوش لقرارها بتعهيد الكثير من المهام العسكرية الضرورية في العراق وأماكن أخرى، ومع ذلك، لم يتم إلقاء اللائمة على المسؤولين الذين اتخذوا هذه القرارات، حتى الآن في الأقل. نستحق تحقيقا شاملا في ما قام به المتعهدون الأمنيون باسم الولايات المتحدة.

لقد كان وضع الأمن القومي في أيدي الشركات الأمنية الخاصة خطأ منذ البداية. وكان من الممكن التنبؤ بحوادث مثل تلك التي وقعت في ساحة النسور. يمكن أن يكون الرجال الخمسة التابعون لـ«بلاك ووتر» هم مَنْ أطلقوا النيران، ولكن هذه الأسلحة تعمل تعبئتها بالرصاص في واشنطن.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»