ريان أميركا

TT

لا يوجد فرق كبير بين ما فعله المستثمر الأميركي برنارد مادوف المتهم بانه ادار اكبر عملية احتيال في التاريخ بمبالغ تقدر بـ 50 مليار دولار وما فعلته شركات توظيف الاموال التي كانت اكبرها الريان في الثمانينات في مصر. فالاثنان لجآ الى صندوق الاستثمار الهرمي في طريقة عمله واعتمدا على ثقة الناس لتوزيع ارباح وعائدات كبيرة لا تستطيع جهات منافسة دفعها لسبب بسيط هو ان هذا الصندوق الهرمي يعتمد على تدفقات اموال جديدة يوميا تأتي اليه ويدفع منها الى زبائنه القدامى، ويمكن ان تستمر هذه العملية لسنوات كما حدث في حالة توظيف الاموال في مصر او في حالة مستثمر نيويورك طالما ان تدفقات الاموال الجديدة مستمرة، لكن أية هزة كما حدث في الحالتين تؤدي الى انهيار الهرم ليكتشف المستثمرون ان اموالهم ضاعت.

في مصر كان انصار توظيف الاموال يردون عندما يسألون من مشككين ثبت انهم على حق ويقولون اعمالنا تتم بالبركة فلا تفسدوا البركة، وفي نيويورك قال هذا المستثمر الذي وثقت فيه بنوك ومؤسسات كبرى اضافة الى عائلات ثرية عندما كان يسأل عن ماذا يفعل بالقول سري مثل كوكاكولا لا ابيح به لأحد.

واذا كان وجود ممارسات غير سليمة او غير خاضعة لاشراف السلطات المنظمة يمكن تفهمه في دولة نامية مازال اقتصادها يتطور، فان وجود مثل هذه الممارسات في اقتصاديات متقدمة وكانت الى فترة قصيرة تعد نموذجا ينظر اليه الناس في العالم على انها قمة في التنظيم والاشراف وضبط الاسواق هو امر يدعو الى العجب ويطرح تساؤلات كثيرة حول نوم هذه السلطات الاشرافية وكيف حدث ذلك.

والمسألة لا تتعلق بقضية الاحتيال هذه فهي قصة يمكن ان تتكرر وتحدث في أي سوق مهما كان تطوره لان طرفي المعادلة بشر في النهاية، لكن العجب يتعلق بحجم الازمة التي لايزال حجمها الحقيقي لم يتضح بعد، وكل يوم يتضح انها اسوأ مما كان متوقعا، ومثال على ذلك تصريحات نائب الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن اول من امس بانه لم يكن يتخيل ان الازمة بهذا الحجم او تصريحات مستثمر دولي كبير كان شريكا لجورج سوروس المستثمر الاشهر والتي قال فيها ان البنوك الاميركية الكبرى مفلسة.

كل هذا دعا الكثير من المعلقين والمتعاملين في الاسواق والسياسيين الى القول بان العالم بعد ازمة 2008 لن يكون كالسابق، فسيكون هناك شكل جديد للرأسمالية بعد التدخل المكثف للحكومات لانقاذ المؤسسات المالية وتحفيز دورة الاقتصاد.

عربيا ليس هناك الكثير الذي يمكن ان يعمل فالازمة ليست في المنطقة، وتأثيراتها ستأتي، لكن هناك وسائد تخفف من الصدمة وتتمثل في الاحتياطات المالية الكبيرة، وان معظم اقتصاديات المنطقة ليست متطورة وبالتالي فان درجة اندماجها بالاقتصاد العالمي اقل من مناطق اخرى، ولا بأس من اجراءات حكومية لوقاية الاقتصاديات من ازمة السيولة العالمية والركود وايضا متابعة كيف سيتطور العالم، ومحاولة اللحاق بالقطار المقبل عندما يقلع.

[email protected]