بلد الرق والعبيد

TT

يبرز لبنان في التقرير السنوي لمنظمة حقوق الإنسان على انه أسوأ الدول العربية ـ برغم فظاعة الآخرين ـ في معاملة الخدم. ويقول التقرير إن خادمة واحدة تموت كل أسبوع في ملتقى الثقافات والحضارات، إما بسبب الإهمال أو العذاب أو عدم الحصول على علاج. ويشدد على ما كتبتُ عنه في هذه الزاوية غير مرة، من الظلم المريع والاستعباد والفظاظة وقباحة المعاملة التي تلقاها نحو 200 ألف خادمة من ربات «العائلات» اللبنانية. ويقول ان معظم الخادمات لا يخرجن من أسر المطابخ إلا لكي يأخذن الكلاب في نزهة وقضاء حاجة.

يستند التقرير إلى شهادات كثيرة، ليس بينها، للأسف شهادتي. وإنني أضع نفسي هنا، تحت القسم، في تصرف الجمعية الدولية من أجل التقرير المقبل. وسوف أشهد كيف أنني أرى من شرفتي كيف تمنع الخادمة من إلقاء التحية على زميلتها في الشرفة المقابلة. وسوف أشهد على عدد ساعات العبودية التي أشاهدها من نافذة المطبخ على صبية أفريقية أصغر سناً من ابنتي، لكنها تعمل نحو 18 ساعة في اليوم، وهو المعدل الذي يذكره التقرير.

ويتحدث التقرير عن حالات اغتصاب وتعذيب وتجويع وانتحار في ملتقى الحضارات وفي دول عربية أخرى. وقد نشرت صحيفة «الرأي» إن 400 خادمة اندونيسية تجمعن أمام سفارة بلادهن في الكويت لا يردن سوى الهرب. وليس لدي أي شك بأن الأسوأ والأقسى والأكثر عجرفة وفظاظة هو لبنان. وهذه الفظاعات لا تشمل الخادمات فقط بل العاملات الاجنبيات في جميع «الحقول» وتشمل الفظاعات في السجون، ومعاملة الموقوفين العاديين والسياسيين وخصوصاً الموقوفات والسجينات.

ولا بد من حملة دولية من أجل اعادة لبنان الى صوابه وتقاليده وتذكيره بما كان عليه، نسبياً، ذات يوم. فإن لبنان، بسبب الانحطاط السياسي وتدهور الخطاب الوطني، قد تساوى مع الدول التي لا تقيم للإنسان وزناً أو شأناً أو اعتباراً. وقد نسي اللبنانيون تقاليد أهلهم وبيوتهم وانقسموا طوعاً في بشاعات السلوك الفوقي وطرق الاستعباد.

وقد قضت الامارات مرة بالاعدام على وحش اغتصب خادمته وعذبها حتى قتلها. ولا نعرف من هو المرجع الاخلاقي أو الانساني في لبنان، لكي نطلب منه أن يقرأ تقرير المنظمة بدل ان يرميه من النافذة أو في سلة المهملات ويذهب الى الحفلات الاجتماعية باسماً وفي كامل أناقته. ان هذا تقرير عيب وقتل وجريمة لا تنفع معه كتب التاريخ وفينيقيا. هذا تقرير قتل وموت ووحشية. لا تغمضوا عيونكم ولا تديروا ظهوركم. انه يتحدث عنكم.