صحافي الحذاء رفَّه عنا كثيرا ولكن..

TT

النصيحة الوحيدة التي أجد نفسي متبرعا بإسدائها لكل سائل من الباحثين او الصحافيين الأجانب ألا يصدقوا كل ما يسمعونه في منطقتنا، فهناك خيط رفيع بين الحقيقة والخيال، والمعلومة والاسطورة. أنصحهم، نقبوا جيدا تحت الجلد، وكرروا دائما السؤال نفسه، مثل محققي الشرطة، حتى تتبينوا الصدق من غيره.

بعد حادثة المنصة العراقية، عندما قذف الصحافي حذاءيه، عرفت اننا في موسم «الفرجة»، المشهد الجاد نفسه كوميديا يتكرر. اضيئت الانوار، ودارت الافراح في العالم العربي، سعادة طافحة بسبب فردتي حذاء. توجوا صحافي الحذاء بطلا. صار مليونيرا، ومخطوبا، ومطلوبا وظيفيا، وبطلا يتغنى به كبار الشعراء. من يشاهد، ويسمع، ويقرأ، ويصدق، لا بد أن يحسده على موقفه المبدع، لا الشجاع فقط، في التعبير عن رأيه وحصد كل هذه الجوائز.

الأكيد أن منتظر الزيدي رفَّه عن كثيرين في العالم، ورفع بحذائه معنويات كثير من العرب، الذين ناموا ليلة هانئة مرة في العمر. كم دلل ذلك على ان العرب أكثر شعوب العالم طيبة، فقد أرضتهم فردتا حذاء تغنوا بها لأيام لم تكن طويلة.

الآن انتهت الحفلة وبقيت الحقيقة. حذاء الزميل، الذي أخذه الى عالم الشهرة العالمية، ورمى به رأس رئيس اميركا، قد يرمى به في قاع السجن سنوات، فالمحكمة تستعد له في الاسبوع المقبل.

صحافي الحذاء، وحيدا، يواجه الحقيقة الموجعة، ففي زنزانة التوقيف يقف على رأسه رجال أمن مفتولو العضلات، ليسوا مثل بوش الذي مازحه قائلا، «آه.. مقاس الحذاء 44 لمن يهمه الأمر». وينتظره قاض في يده ان يقذف به الى السجن سنوات عجافا، سينساه الناس خلالها، وقد يتذكره من لم يكن يجرؤ على رميهم بالنعال أمثال طارق عزيز، جيران الحبس، لا قدر الله.

وسيضاعف من الظلم للبطل، فوق الحبس، فقرٌ وكذب. فقد بان أن المليونير السعودي الذي تبرع بعشرة ملايين دولار لشراء واحدة من فردتي حذائه ليس إلا راعي غنم فقيرا، هو في حاجة للمساعدة أكثر منه. وسيزيد همه لو بقي له من الهدايا الثمينة فتاة تبرع بها ابوها خطيبة له، مدعيا انه سيحملها بالذهب ويرسلها الى بغداد، وكلنا نعلم أن ما كل يلمع ذهب. ولم يتبق للزميل من وعود العرب الكاذبة إلا المعلقات التي قيلت فيه شعرا، وحتى هذه اتضح انها مزورة. قصيدة الشاعر غازي القصيبي التي كانت أكثرها تداولا وتراسلا، اتضح أنها منحولة، حتى اضطر الدكتور غازي الى إصدار بيان يتبرأ منها.

لا قصائد، ولا زيجات بالذهب، ولا ملايين الدولارات، والمظاهرات ستختفي كما تبخرت مظاهرات من سبقوه من الابطال. بقيت المحكمة حيث البطولة الاخيرة. مشكلة المتهم أن أمله الاخير سيكون خصمه الاول، عليه ان يكتب رسالة أخرى هذه المرة لضحية حذائه، المهان بوش، او صاحب الحق الخاص بلغة المحامين، حتى يتنازل ويعفو عنه. ان فعل الخصمان ستكتب القصة من جديد: حماقة منتظر وشهامة جورج. استبعد تماما ان يضحي منتظر بالبطولة خاصة بعد ان ورطه المتظاهرون يوم رفعوا صوره، وصور حذائه، أيضا. كما استبعد ان يعفو بوش، لان العفو يخالف روح النظام في ثقافة الغربيين، وثانيا لان بوش أبدى عطفه مطالبا علانية ألا يعاقب، قالها بعد عودته الى واشنطن لكن بلا تقدير، أيضا. قلت لكم انه موسم الفرجة.

[email protected]