الصبية (المتعاجزة)

TT

هي فتاة جميلة (وفرفوشة)، وتحب المزاح وتهوى المقالب والمخاطرات، وعمرها لا يزيد عن 26 سنة ـ أي أنها ما زالت في زهرة أو وردة أو زنبقة شبابها ـ.

هذه الفتاة كانت تدرس (كمصممة صناعية) وتقول: إنه نشأ لدي اهتمام بالمشكلات الدقيقة التي تولدها بعض الآلات لدى المتقدمين في السن، وانخرطت في دورة لدراسة نفسية العجائز، ورغبة مني في اكتساب معرفة عملية أضيفها إلى معرفتي النظرية حول ذلك الأمر، ارتأيت أن أغدو أنا نفسي هرمة بتمثيلي دور المرأة العجوز.

وفعلا وبواسطة أحد العاملين المحترفين في الماكياج استطاع أن يحول وجهها وملامحها إلى امرأة في الخامسة والثمانين من عمرها، وألبسها باروكة بيضاء، ووضعت هي على أرنبة انفها نظارة رقيقة، وتدثرت بملابس ثقيلة، وأمسكت بيدها عكازا، وقررت أن تسافر إلى (أوهايو) لحضور مؤتمر حول الشيخوخة، وأخذت تمشي الهوينا حتى وصلت إلى الشارع وتقول:

وقفت أنتظر تاكسي ينقلني إلى المطار، وما أكثر التكاسي الخالية التي رأيتها تعبر أمامي ولا تتوقف، وأخيرا توقف أحدهم، وعندما وصلت وقفت في الطابور لتقديم بطاقة صعودي للطائرة، وكنت أسمع الموظفة تقول لكل واحد من رجال الأعمال الذين أمامي: صباح الخير يا سيدي، سفرا سعيدا، ولما حان دوري ختمت بطاقتي دون أن تتفوه بكلمة واحدة، وعندما وصلت إلى قاعة المؤتمر لفت نظري أن الحضور كلهم من الباحثين الشباب، وكنت العجوز الوحيدة، وفوجئت بأن الجميع يتجاهلونني رغم أن المؤتمر هو عن مشكلات المتقدمين بالسن، وفي الاستراحة أخذ الشباب يدعون الصبايا لشرب القهوة، ولم يدعني أو يلتفت لي أحد منهم.

وفي أحد الأيام ذهبت إلى إحدى الصيدليات لأتظاهر بشراء بعض الأدوية، فكان تعامل الصيدلي معي باردا ولم يكلف نفسه حتى إحضار الدواء لي ولكنه أشار إلى الرف البعيد لكي آخذه بنفسي، وفي ثاني يوم حضرت إلى نفس الصيدلية بوجهي الحقيقي وتخلصت من الماكياج ولبست بنطلون الجينز، فإذا بالصيدلي يستقبلني بابتسامة عريضة، ويتراكض ويتقافز لإحضار الأدوية التي أطلبها، غير إني لن أنسى ما حييت امرأة فتحت لي بابا حديديا ثقيلا في أحد المحلات، وحين شكرتها ضمتني إليها وقالت: إن أمي في مثل سنك، وهي تعيش في بلدة بعيدة عني، ولكم أتمنى أن يفتح أحدهم لها الباب هكذا.

وتمضي الفتاة (المتعاجزة) قائلة: وكعجوز في الخامسة والثمانين كنت لا أجد حرجاً في الجلوس بجانب شخص متقدم في السن مثلي وفتح حديث معه دون الحاجة لمقدمات، والحق أن أغلب الرجال كانوا طيبين، غير أنني في أحد الأيام جلست بجانب أحدهم، فأول ما لفت نظري أنه لكزني لكزة خفيفة في خاصرتي بعصاه، ثم التفت لي بابتسامة خبيثة وهو يلعب حاجبيه ويمد لي (كرتاً) به رقم تلفونه قائلا لي: إن اسمي (فلان)، وأسكن لوحدي في شقة دافئة لا تبتعد من هنا، وزوجتي متوفاة، ما رأيك أن تذهبي معي إلى هناك، لأنني أخاف عليك من البرد هنا، وعندما لاحظ استهجاني من عرضه لي، طلب مني على الأقل رقم تلفوني لأنه على حد تعبيره معجب بي، قمت من مكاني وتركته وهو يلاحقني بغزله وتصفيره، واتجهت إلى الشاطئ وأنا أضحك بيني وبين نفسي على ذلك العجوز الذي يعشق (من أول نظرة)، وبينما كنت واقفة أستنشق هواء البحر، وإذا بصوت طفل ورائي لا يتجاوز السادسة من عمره يمد لي بيده الصغيرة كيساً ويقول بكل براءة: هل تريدين حلاوة؟!، شكرته وأخذت واحدة، فتبسم وقال: هل تحبين الأصداف البحرية؟!، هززت رأسي، فأمسك بيدي وقادني وكلما وجد واحدة صاح مبتهجاً، ووضعها جميعها في كيس الحلاوة قائلا: هذه كلها لك.

إنني أطلب من أجمل بنت تقرأ هذا الكلام، أن تخوض هذه التجربة وتحدثنا عنها، فما أروع فتاة في (الخامسة والثمانين) من عمرها.

[email protected]