وظائف التدريس الجامعي بين التوطين والتنوع

TT

تحرص الجامعات في العالم المتقدم على أن تضم هيئات التدريس إلى جانب الأساتذة المواطنين أساتذة من دول وثقافات مختلفة، حتى أنك لتجد في جامعات أمريكا والدول الغربية أساتذة من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية بغية تنويع مصادر المعرفة، وهي ظاهرة صحية تنعكس آثارها إيجابا على الأجواء الجامعية، ومستويات الخريجين.. ومن الجامعات الأمريكية من ترفض إلحاق خريجيها بهيئة تدريسها خشية تكرار ما تعلموه، وبالتالي تفقد الجامعة خواص التجدد والتنوع والتطور..

وفي إحدى الصحف قرأت قبل أيام أن وزارة التعليم العالي في السعودية تعتزم تنفيذ خطة لتوطين وظائف هيئة التدريس بالجامعات، وأنه سوف يستعان بالمعيدين لتقليص نسبة التعاقد من الخارج، ورغم أن توطين الوظائف هدف مشترك يسعى الكل إلى تحقيقه في مختلف الحقول، ويرتقي إلى مستوى الواجب، إلا أن التعليم الجامعي يفترض النظر إليه كحالة استثناء، فوجود أساتذة من خارج السعودية ضمن هيئات التدريس إلى جانب الأساتذة من أبناء الوطن يحقق غايات التنويع المعرفي والثقافي والانفتاح على الآخر، وعلينا أن لا ننظر إلى الحقل الجامعي نظرتنا إلى غيره من الحقول الأخرى المستهدفة بالتوطين، فتوطين مختلف وظائف التدريس في الجامعات سيدخلنا في دوامة التكرار المعرفي، ويعرضنا لإشكاليات التشابه، والتطابق، والانغلاق، كما ينبغي أيضا التوسع في برامج تبادل الأساتذة الزائرين، ومنح أعضاء هيئات التدريس من السعوديين المزيد من فرص الزيارة والعمل في الجامعات الخارجية بغية المشاركة في الخبرات، وتنويع المعرفة، والاستفادة من تجارب الآخرين.

وأبناء جيلي الذين تخرجوا في الجامعات السعودية حينما كانت تضم هيئات تدريسها: المصري، والعراقي، والسوري، والسوداني، والأردني، وبعض الغربيين، إلى جانب الأساتذة السعوديين، يدركون ثراء التجربة التي عاشوها في تلك الأجواء الجامعية بتنوعاتها المعرفية والثقافية، ولا أخال جامعة تفتقر إلى مثل هذا التنوع يمكن أن تخلق مثل تلك الأجواء، أو أن تحقق مثل تلك النتائج.

إن ثمة أولويات كثيرة تحتاجها جامعاتنا السعودية ليس من بينها الإسراع في توطين التعليم الجامعي، فإبقاء نسبة من الوظائف الجامعية خارج دائرة الاستهداف بالتوطين أمر تفرضه متطلبات التجدد، والتنوع، والانفتاح المعرفي، خاصة أن مشوارنا مع توطين الوظائف غير الجامعية سيطول ويمتد، ويا هناء من يعيش!

[email protected]