حال المفاوضات

TT

أعلن الرئيس بشار الأسد عن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل في عالم عربي متغير. فعندما أعلن الرئيس أنور السادات نية مماثلة كانت تقف في وجه الرئيس المصري، ثلاث قوى معادية هي منظمة التحرير وسورية وعراق صدام حسين وليبيا التي لم تكن قد انتقلت بعد للعمل من أجل وحدة أفريقيا متهمة العرب بخذلانها.

الآن كل شيء متغير وأحياناً منقلب. ولم يعد أحد من العرب يستخدم ذلك التعبير الذي ولد وأقام بيننا دون أن يعيش ودون أن يعلن أحد وفاته أيضاً: الصمود والتصدي. وقد صدأ حقاً لكن من تلقاء نفسه.

خرج أنور السادات من التفاوض مع إسرائيل ومعه كل شبر محتل ومعه، ضمن كامب ديفيد، الحكم الذاتي الفلسطيني. لكن ياسر عرفات دعا إلى قتله. وصرح عبد الحليم خدام أنه تم التفكير في إطلاق النار على طائرته وهي تقلع به من زيارة دمشق. ونعتته الصحف العراقية الصادرة في الخارج بمجموعة من النعوت ألطفها «الخائن» وأكثرها لياقة «العميل الصهيوني». وقرر القائد معمر القذافي مهاجمة مصر وتحويل منطقة الحدود إلى معركة «علمين» أخرى.

وانضمت دول الاعتدال إلى مقاطعة مصر وإن ظلت تحافظ على أدبياتها السياسية. وأصبحت عندما تعانق صديقاً مصرياً أو فلسطينياً مقيماً في مصر قيل لك بين المزاح والتهديد إنك تعانق كامب ديفيد. مرة واحدة. وذهبت الجامعة العربية إلى تونس تتونس بهدوئها وبحيرتها الاصطناعية. ونسي جميع العرب، ثم منظمة التحرير، أنهم أصبحوا في لدن عميل صهيوني آخر هو الحبيب بورقيبة، الذي نصحهم العام 1965 من أريحا بقبول قرار التقسيم. وبعد سنوات أعلن أبو عمار أنه يقبل بدولة فلسطينية ولو في أريحا.

ثم جاءت مدريد. ومعها جاءت أوسلو. وأدى أبو عمار التحية العسكرية لجثمان رابين الذي اغتاله إسرائيلي لا عربي. وبعده قدم لنا الإسرائيليون أرييل شارون مكملا مسيرة المقدم شارون في السويس 1956. ومعه جاء جورج الابن، ومعه جاء دونالد رامسفلد وبول وولفوتز وأفكار ريتشارد بيرل. والعرب أمجاد يا عرب أمجاد. ولم نكن قد اكتشفنا سلاح الأحذية الطائرة بعد. أو الهابطة.

عالم عربي يتقلب على نفسه من تخمة السبات، لا من شدة القلق. كتبت قبل أسابيع عن الفقر والأمية فرد عليّ قارئ من الكويت مستقطعا مستهولا التجني قائلا إن الشباب العربي بخير يملأ مقاهي «ستاربكس». غريب أن صاحبنا لا يعرف أن 6 ملايين مصري على حافة الجوع وأن المغاربة يموتون غرقا وهم يحاولون الهرب إلى الرغيف الأوروبي وينسى أن موظفي بلده طالبوا ـ ولم ينالوا ـ بعلاوة 50 ديناراً على رواتبهم. وهذه هي حالنا منذ 1948، نصف جهل ونصف تجاهل.